وَبُعْدَ خَيْرِهِ بِبُعْدِ اللَّحْمِ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ، وَالزُّهْدَ فِيمَا يُرْجَى مِنْهُ مَعَ قِلَّتِهِ وَتَعَذُّرِهِ بِالزُّهْدِ فِي لَحْمِ الْجَمَلِ الْهَزِيلِ، فَأَعْطَتِ التَّشْبِيهَ حَقَّهُ وَوَفَّتْهُ قِسْطَهُ.
قَوْلُهُ (قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُثَلَّثَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ حَكَاهَا عِيَاضٌ أَنُثُّ بِالنُّونِ بَدَلَ الْمُوَحِّدَةِ أَيْ لَا أُظْهِرُ حَدِيثَهُ، وَعَلَى رِوَايَةِ النُّونِ فَمُرَادُهَا حَدِيثُهُ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ، لِأَنَّ النَّثَّ بِالنُّونِ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ لَا أَنِمُّ بِنُونٍ وَمِيمٍ مِنَ النَّمِيمَةِ.
قَوْلُهُ (إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ أَيْ أَخَافُ أَنْ لَا أَتْرُكَ مِنْ خَبَرِهِ شَيْئًا، فَالضَّمِيرُ لِلْخَبَرِ أَيْ أَنَّهُ لِطُولِهِ وَكَثْرَتِهِ إِنْ بَدَأْتُهُ لَمْ أَقَدِرْ عَلَى تَكْمِيلِهِ، فَاكْتَفَتْ بِالْإِشَارَةِ إِلَى مَعَايِبِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَطُولَ الْخَطْبُ بِإِيرَادِ جَمِيعِهَا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ: أَخْشَى أَنْ لَا أَذَرَهُ مِنْ سُوءٍ، وَهَذَا تَفْسِيرُ ابْنِ السِّكِّيتِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ، أَذْكُرُهُ وَأَذْكُرُ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الضَّمِيرُ لِزَوْجِهَا وَعَلَيْهِ يَعُودُ ضَمِيرُ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ بِلَا شَكٍّ كَأَنَّهَا خَشِيَتْ إِذَا ذَكَّرَتْ مَا فِيهِ أَنْ يَبْلُغَهُ فَيُفَارِقَهَا، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: أَخَافُ أَنْ لَا أَقْدِرَ عَلَى تَرْكِهِ لِعَلَاقَتِي بِهِ وَأَوْلَادِي مِنْهُ، وَأَذَرَهُ بِمَعْنَى أُفَارِقُهُ فَاكْتَفَتْ بِالْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ لَهُ مَعَايِبَ وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَتْهُ مِنَ الصِّدْقِ وَسَكَتَتْ عَنْ تَفْسِيرِهَا لِلْمَعْنَى الَّذِي اعْتَذَرَتْ بِهِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ زَوْجِي مَنْ لَا أَذْكُرُهُ وَلَا أَبُثُّ خَبَرَهُ، وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِالسَّجْعِ.
قَوْلُهُ (عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتَحِ الْجِيمِ فِيهِمَا الْأَوَّلُ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَالثَّانِي بِمُوَحَّدَةٍ جَمْعُ عُجْرَةٍ وَبُجْرَةٍ بِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ، فَالْعُجْرَ تَعْقِدُ الْعَصَبَ وَالْعُرُوقَ فِي الْجَسَدِ حَتَّى تَصِيرَ نَاتِئَةً، وَالْبُجَرُ مِثْلُهَا إِلَّا أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالَّتِي تَكُونُ فِي الْبَطْنِ، قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعُجْرَةُ نَفْخَةٌ فِي الظَّهْرِ وَالْبُجْرَةُ نَفْخَةٌ فِي السُّرَّةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: الْعُجَرُ الْعُقَدُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَطْنِ وَاللِّسَانِ، وَالْبُجْرُ الْعُيُوبُ. وَقِيلَ: الْعُجَرُ فِي الْجَنْبِ وَالْبَطْنِ، وَالْبُجْرُ فِي السُّرَّةِ. هَذَا أَصْلُهُمَا، ثُمَّ اسْتُعْمِلَا فِي الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَلَيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ عُجَرِي وَبُجَرِي. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: اسْتُعْمِلَا فِي الْمَعَايِبِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو عُبَيدٍ الْهَرَوِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيدِ بْنُ سَلَامٍ ثُمَّ ابْنُ السِّكِّيتِ: اسْتُعْمِلَا فِيمَا يَكْتُمُهُ الْمَرْءُ وَيُخْفِيهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُبَرِّدُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَرَادَتْ عُيُوبَهُ الظَّاهِرَةَ وَأَسْرَارَهُ الْكَامِنْةَ. قَالَ: وَلَعَلَّهُ كَانَ مَسْتُورَ الظَّاهِرِ رَدِيءَ الْبَاطِنِ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ: عَنَتْ أَنَّ زَوْجَهَا كَثِيرُ الْمَعَايِبِ مُتَعَقِّدُ النَّفْسِ عَنِ الْمَكَارِمِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْعُجَرُ الْعُقَدُ تَكُونُ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ، وَالْبُجْرُ تَكُونُ فِي الْقَلْبِ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: أَفْضَيْتُ إِلَيْهِ بِعُجَرِي وَبُجَرِي أَيْ بِأَمْرِي كُلِّهِ.
قَوْلُهُ (قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِيَ الْعَشَنَّقُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَآخِرُهُ قَافٌ، قَالَ أَبُو عُبَيدٍ وَجَمَاعَةٌ: هُوَ الطَّوِيلُ، زَادَ الثَّعَالِبِيُّ: الْمَذْمُومُ الطَّولِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ الطَّوِيلُ الْعُنُقِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: الصَّقْرُ مِنَ الرِّجَالِ الْمِقْدَامُ الْجَرِيءُ. وَحَكَى ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الْقَصِيرُ، ثُمَّ قَالَ: كَأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنَ الْأَضْدَادِ، قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ انْتَهَى. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ تُصُحِّفَ عَلَيْهِ بِمَا قَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَهُ عِيَاضٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ الْمِقْدَامُ عَلَى مَا يُرِيدُ، الشَّرِسُ فِي أُمُورِهِ. وَقِيلَ: السَّيِّئُ الْخُلُقِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: أَرَادتْ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَه أَكْثَرَ مِنْ طُولِهِ بِغَيْرِ نَفْعٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ الْمُسْتَكْرَهُ الطُّولِ، وَقِيلَ ذَمَّتْهُ بِالطُّولِ لِأَنَّ الطُّولَ فِي الْغَالِبِ دَلِيلُ السَّفَهِ، وَعُلِّلَ بِبُعْدِ الدِّمَاغِ عَنِ الْقَلْبِ. وَأَغْرَبَ مَنْ قَالَ: مَدَحَتْهُ بِالطُّولِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَتَمَدَّحُ بِذَلِكَ، وتعقب بأن سياقها يقتضي أنها ذمته. وَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ مَدْحَ خَلْقِهِ وَذَمَّ خُلُقِهِ، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: لَهُ مَنْظَرٌ بِلَا مَخْبَرٍ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْعَشَنَّقَ الطَّوِيلُ النَّجِيبُ الَّذِي يَمْلِكُ أَمْرَ نَفْسِهِ وَلَا تَحَكَّمُ النِّسَاءُ فِيهِ بَلْ يَحْكُمُ فِيهِنَّ بِمَا شَاءَ، فَزَوْجَتُهُ تَهَابُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute