للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَنْ تَنْطِقَ بِحَضْرَتِهِ، فَهِيَ تَسْكُتُ عَلَى مَضَضٍ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهِيَ مِنَ الشِّكَايَةِ الْبَلِيغَةِ انْتَهَى.

وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ السِّكِّيتِ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي آخِرِهِ وَهُوَ عَلَى حَدِّ السِّنَانِ الْمُذَلَّقِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيِ الْمُجَرَّدِ بِوَزْنِهِ وَمَعْنَاهُ، تُشِيرُ إِلَى أَنَّهَا مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ بِهَذَا أَنَّهُ أَهْوَجُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى حَالٍ كَالسِّنَانِ الشَّدِيدِ الْحِدَّةِ.

قَوْلُهُ (إِنَّ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ) أَيْ إِنْ ذَكَرْتُ عُيُوبَهُ فَيَبْلُغُهُ طَلَّقَنِي، وَإِنْ سَكَتُّ عَنْهَا فَأَنَا عِنْدَهُ مُعَلَّقَةٌ لَا ذَاتُ زَوْجٍ وَلَا أَيِّمٌ، كَمَا وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: أَنَا عِنْدَهُ لَا ذَاتُ بَعْلٍ فَأَنْتَفِعُ بِهِ، وَلَا مُطَلَّقَةٌ فَأَتَفَرَّغُ لِغَيْرِهِ، فَهِيَ كَالْمُعَلَّقَةِ بَيْنَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ لَا تَسْتَقِرُّ بِأَحَدِهِمَا، هَكَذَا تَوَارَدَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ تَبَعًا لِأَبِي عُبَيْدٍ. وَفِي الشِّقِّ الثَّانِي عِنْدِي نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُرَادَهَا لَانْطَلَقَتْ لِيُطَلِّقَهَا فَتَسْتَرِيحُ. وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَيْضًا أَنَّهَا أَرَادَتْ وَصْفَ سُوءِ حَالِهَا عِنْدَهُ، فَأَشَارَتْ إِلَى سُوءِ خُلُقِهِ وَعَدَمِ احْتِمَالِهِ لِكَلَامِهَا إِنْ شَكَتْ لَهُ حَالَهَا، وَأَنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّهَا مَتَى ذَكَرَتْ لَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَادَرَ إِلَى طَلَاقِهَا وَهِيَ لَا تُؤْثِرُ تَطْلِيقَهُ لِمَحَبَّتِهَا فِيهِ، ثُمَّ عَبَّرَتْ بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا إِنْ سَكَتَتْ صَابِرَةً عَلَى تِلْكَ الْحَالِ كَانَتْ عِنْدَهُ كَالْمُعَلَّقَةِ الَّتِي لَا ذَاتُ زَوْجٍ وَلَا أَيِّمٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا: أُعَلَّقْ مُشْتَقًّا مِنْ عَلَاقَةِ الْحُبِّ أَوْ مِنْ عَلَاقَةِ الْوَصْلَةِ، أَيْ إِنْ نَطَقْتُ طَلَّقَنِي وَإِنَّ سَكَتُّ اسْتَمَرَّ بِي زَوْجَةً، وَأَنَا لَا أُوثِرُ تَطْلِيقَهُ لِي فَلِذَلِكَ أَسْكُتُ. قَالَ عِيَاضٌ: أَوْضَحَتْ بِقَوْلِهَا عَلَى حَدِّ السِّنَانِ الْمُذَلَّقِ مُرَادَهَا بِقَوْلِهَا قَبْلُ إِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ، وَإِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ؛ أَيْ أَنَّهَا إِنْ حَادَتْ عَنِ السِّنَانِ سَقَطَتْ فَهَلَكَتْ، وَإِنِ اسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَهْلَكَهَا.

قَوْلُهُ (قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ، وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ) بِالْفَتْحِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ مَبْنِيَّةٌ مَعَ لَا عَلَى الْفَتْحِ، وَجَاءَ الرَّفْعُ مَعَ التَّنْوِينِ فِيهَا وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَكَأَنَّهُ أَشْبَعَ بِالْمَعْنَى أَيْ لَيْسَ فِيهِ حَرٌّ، فَهُوَ اسْمُ لَيْسَ وَخَبَرُهَا مَحْذُوفٌ، قَالَ: وَيُقَوِّيهِ مَا وَقَعَ مِنَ التَّكْرِيرِ، كَذَا قَالَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ الْبِنَاءُ عَلَى الْفَتْحِ فِي الْجَمِيعِ وَالرَّفْعُ مَعَ التَّنْوِينِ وَفَتْحُ الْبَعْضِ وَرَفْعُ الْبَعْضِ، وَذَلِكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا بَيْعَ فِيهِ وَلَا خُلَّةَ وَلَا شَفَاعَةَ، وَمِثْلِ: ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَلَا بَرْدٌ بَدَلَ وَلَا قُرٌّ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ وَلَا خَامَةَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا تَقُلْ عِنْدَهُ، تَصِفُ زَوْجَهَا بِذَلِكَ وَأَنَّهُ لَيِّنُ الْجَانِبِ خَفِيفُ الْوَطْأَةِ عَلَى الصَّاحِبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ صِفَةِ اللَّيْلِ، وَفِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَالْغَيْثُ غَيْثُ غَمَامَةٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَرَادَتْ أَنْ لَا شَرَّ فِيهِ يُخَافُ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا: وَلَا مَخَافَةَ أَيْ أَنَّ أَهْلَ تِهَامَةَ لَا يَخَافُونَ لِتَحَصُّنِهِمْ بِجِبَالِهَا، أَوْ أَرَادَتْ وَصْفَ زَوْجِهَا بِأَنَّهُ حَامِي الذِّمَارِ مَانِعٌ لِدَارِهِ وَجَارِهِ وَلَا مَخَافَةَ عِنْدَ مَنْ يَأْوِي إِلَيْهِ، ثُمَّ وَصَفَتْهُ بِالْجُودِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: قَدْ ضَرَبُوا الْمَثَلَ بِلَيْلِ تِهَامَةَ فِي الطِّيبِ لِأَنَّهَا بِلَادٌ حَارَّةٌ فِي غَالِبِ الزَّمَانِ، وَلَيْسَ فِيهَا رِيَاحٌ بَارِدَةٌ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ كَانَ وَهَجُ الْحَرِّ سَاكِنًا فَيَطِيبُ اللَّيْلِ لِأَهْلِهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ أَذَى حَرِّ النَّهَارِ، فَوَصَفَتْ زَوْجَهَا بِجَمِيلِ الْعِشْرَةِ وَاعْتِدَالِ الْحَالِ وَسَلَامَةِ الْبَاطِنِ؛ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: لَا أَذَى عِنْدَهُ وَلَا مَكْرُوهَ، وَأَنَا آمِنْةٌ مِنْهُ فَلَا أَخَافُ مِنْ شَرِّهِ، وَلَا مَلَلَ عِنْدَهُ فَيَسْأَمُ مِنْ عِشْرَتِي، أَوْ لَيْسَ بِسَيِّئِ الْخُلُقِ فَأَسْأَمُ مِنْ عِشْرَتِهِ، فَأَنَا لَذِيذَةُ الْعَيْشِ عِنْدَهُ كَلَذَّةِ أَهْلِ تِهَامَةَ بِلَيْلِهِمُ الْمُعْتَدِلِ.

قَوْلُهُ (قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَد بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْفَهْدِ، وَصَفَتْهُ بِالْغَفْلَةِ عِنْدَ دُخُولِ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهِ الْمَدْحِ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: شَبَّهَتْهُ فِي لِينِهِ وَغَفْلَتِهِ بِالْفَهْدِ، لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِالْحَيَاءِ وَقِلَّةِ الشَّرِّ وَكَثْرَةِ النَّوْمِ. وَقَوْلُهُ أَسِدَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَكَسْرِ السِّينِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَسَدِ أَيْ