للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَصِيرُ بَيْنَ النَّاسِ مِثْلَ الْأَسَدِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: تَصِفُهُ بِالنَّشَاطِ فِي الْغَزْوِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: مَعْنَاهُ إِنْ دَخَلَ الْبَيْتَ وَثْبَ عَلَيَّ وُثُوبِ الْفَهْدِ، وَإِنْ خَرَجَ كَانَ فِي الْإِقْدَامِ مِثْلَ الْأَسَدِ، فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ وَثَبَ عَلَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، فَالْأَوَّلُ تُشِيرُ إِلَى كَثْرَةِ جِمَاعِهِ لَهَا إِذَا دَخَلَ فَيَنْطَوِي تَحْتَ ذَلِكَ تَمَدُّحُهَا بِأَنَّهَا مَحْبُوبَةٌ لَدَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا إِذَا رَآهَا، وَالذَّمُّ إِمَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غَلِيظُ الطَّبْعِ لَيْسَتْ عِنْدَهُ مُدَاعَبَةٌ وَلَا مُلَاعَبَةٌ قَبْلَ الْمُوَاقَعَةِ، بَلْ يَثِبُ وَثَوْبًا كَالْوَحْشِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ سَيِّئَ الْخُلُقِ يَبْطِشُ بِهَا وَيَضْرِبُهَا، وَإِذَا خَرَجَ عَلَى النَّاسِ كَانَ أَمْرُهُ أَشَدَّ فِي الْجَرْأَةِ وَالْإِقْدَامِ وَالْمَهَابَةِ كَالْأَسَدِ. قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ مُطَابَقَةٌ بَيْنَ خَرَجَ وَدَخَلَ لَفْظِيَّةٌ، وَبَيْنَ فَهِدَ وَأَسِدَ مَعْنَوِيَّةٌ، وَيُسَمَّى أَيْضًا الْمُقَابَلَةَ.

وَقَوْلُهَا: وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ يَحْتَمِلُ الْمَدْحَ وَالذَّمَّ أَيْضًا، فَالْمَدْحُ بِمَعْنَى أَنَّهُ شَدِيدُ الْكَرَمِ كَثِيرُ التَّغَاضِي لَا يَتَفَقَّدُ مَا ذَهَبَ مِنْ مَالِهِ، وَإِذَا جَاءَ بِشَيْءٍ لِبَيْتِهِ لَا يَسْأَلُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى مَا يَرَى فِي الْبَيْتِ مِنَ الْمَعَايِبِ، بَلْ يُسَامِحُ وَيُغْضِي. وَيَحْتَمِلُ الذَّمَّ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مُبَالٍ بِحَالِهَا حَتَّى لَوْ عَرَفَ أَنَّهَا مَرِيضَةٌ أَوْ مُعْوَزَّةٌ وَغَابَ ثُمَّ جَاءَ لَا يَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَتَفَقَّدُ حَالَ أَهْلِهِ وَلَا بَيْتِهِ، بَلْ إِنْ عَرَضَتْ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَثَبَ عَلَيْهَا بِالْبَطْشِ وَالضَّرْبِ، وَأَكْثَرُ الشُّرَّاحِ شَرَحُوهُ عَلَى الْمَدْحِ، فَالتَّمْثِيلُ بِالْفَهْدِ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ التَّكَرُّمِ أَوِ الْوُثُوبِ، وَبِالْأَسَدِ مِنْ جِهَةِ الشَّجَاعَةِ، وَبِعَدَمِ السُّؤَالِ مِنْ جِهَةِ الْمُسَامَحَةِ.

وَقَالَ عِيَاضٌ: حَمَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى الِاشْتِقَاقِ مِنْ خُلُقِ الْفَهْدِ إِمَّا مِنْ جِهَةِ قُوَّةِ وُثُوبِهِ وَإِمَّا مِنْ كَثْرَةِ نَوْمِهِ، وَلِهَذَا ضَرَبُوا الْمَثَلَ بِهِ فَقَالُوا: أَنْوَمُ مِنْ فَهْدٍ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ كَسْبِهِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمَثَلِ أَيْضًا: أَكْسَبُ مِنْ فَهْدٍ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْفُهُودَ الْهَرِمَةَ تَجْتَمِعُ عَلَى فَهْدٍ مِنْهَا فَتِيٍّ فَيَتَصَيَّدُ عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى يُشْبِعَهَا، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: إِذَا دَخَلَ الْمَنْزِلَ دَخَلَ مَعَهُ بِالْكَسْبِ لِأَهْلِهِ كَمَا يَجِيءُ الْفَهْدُ لِمَنْ يَلُوذُ بِهِ مِنَ الْفُهُودِ الْهَرِمَةِ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ فِي وَصْفِهَا لَهُ بِخُلُقِ الْفَهْدِ مَا قَدْ يَحْتَمِلُ الذَّمَّ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ النَّوْمِ رَفَعَتِ اللَّبْسَ بِوَصْفِهَا لَهُ بِخُلُقِ الْأَسَدِ، فَأَفْصَحَتْ أَنَّ الْأَوَّلَ سَجِيَّةُ كَرَمٍ وَنَزَاهَةُ شَمَائِلَ وَمُسَامَحَةٌ فِي الْعِشْرَةِ، لَا سَجِيَّةُ جُبْنٍ وَجوْرٍ فِي الطَّبْعِ.

قَالَ عِيَاضٌ: وَقَدْ قَلَبَ الْوَصْفَ بَعْضُ الرُّوَاةِ يَعْنِي كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ، فَقَالَ: إِذَا دَخَلَ أَسِدَ وَإِذَا خَرَجَ فَهِدَ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَجْلِسِهِ كَانَ عَلَى غَايَةِ الرَّزَانَةِ وَالْوَقَارِ وَحُسْنِ السَّمْتِ، أَوْ عَلَى الْغَايَةِ مِنْ تَحْصِيلِ الْكَسْبِ، وَإِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ كَانَ مُتَفَضِّلًا مُوَاسِيًا لِأَنَّ الْأَسَدَ يُوصَفُ بِأَنَّهُ إِذَا افْتَرَسَ أَكَلَ مِنْ فَرِيسَتِهِ بَعْضًا وَتَرَكَ الْبَاقِيَ لَمِنْ حَوْلَهُ مِنَ الْوُحُوشِ وَلِمَ يُهَاوِشْهُمْ عَلَيْهَا، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ فِي آخِرِهِ: وَلَا يَرْفَعُ الْيَوْمَ لِغَدٍ، يَعْنِي لَا يُدْخِر مًّا حَصَلَ عِنْدَهُ الْيَوْمَ مِنْ أَجْلِ الْغَدِ، فَكَنَّتْ بِذَلِكَ عَنْ غَايَةِ جُودِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِالْحَزْمِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ فَلَا يُؤَخِّرُ مَا يَجِبُ عَمَلُهُ الْيَوْمَ إِلَى غَدِهِ.

قَوْلُهُ (قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنَّ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنَّ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ إِذَا أَكَلَ اقْتَفَّ وَفِيهِ وَإِذَا نَامَ بَدَلَ اضْطَجَعَ، وَزَادَ وَإِذَا ذَبَحَ اغْتَثَّ أَيْ تَحَرَّى الْغَثَّ وَهُوَ الْهَزِيلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْأُولَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ وَلَا يُدْخِلُ بَدَلَ يُولِجُ وإِذَا رَقَدَ بَدَلَ اضْطَجَعَ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ فَيَعْلَمُ بِالْفَاءِ بَدَلَ اللَّامِ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِاللَّفِّ الْإِكْثَارُ مِنْهُ وَاسْتِقْصَاؤُهُ حَتَّى لَا يَتْرُكَ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْإِكْثَارُ مَعَ التَّخْلِيطِ، يُقَالُ: لَفَّ الْكَتِيبَةَ بِالْأُخْرَى إِذَا خَلَطَهَا فِي الْحَرْبِ، وَمِنْهُ اللَّفِيفُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَتْ أَنَّهُ يَخْلِطُ صُنُوفَ الطَّعَامِ مِنْ نَهْمَتِهِ وَشَرَهِهِ ثُمَّ لَا يُبْقِي مِنْهُ شَيْئًا. وَحَكَى عِيَاضٌ رِوَايَةَ مَنْ رَوَاهُ رَفَّ بِالرَّاءِ بَدَلَ اللَّامِ، قَالَ: وَهِيَ بِمَعْنَاهَا، وَرِوَايَةِ مِنْ رَوَاهُ اقْتَفَّ بِالْقَافِ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ التَّجْمِيعُ، قَالَ الْخَلِيلُ: قَفَافُ