الطَّرِيقِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَهِيَ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ وَلَا تُنَقِّثُ بِالتَّشْدِيدِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ انْتَهَى. وَضَبَطَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِالْفَاءِ الثَّقِيلَةِ بَدَلَ الْقَافِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: النَّفْثُ وَالتَّفْلُ بِمَعْنًى، وَأَرَادَتِ الْمُبَالَغَةَ فِي بَرَاءَتِهَا مِنَ الْخِيَانَةِ، فَيَحْتَمِلُ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مُسْلِمٍ بِالْقَافِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَالْأُخْرَى بِالْفَاءِ. وَالْمِيرَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا رَاءٌ الزَّادُ، وَأَصْلُهُ مَا يُحَصِّلُهُ الْبَدَوِيُّ مِنَ الْحَضَرِ وَيَحْمِلُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ أَهْلُهُ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: التَّنْقِيثُ إِخْرَاجُ مَا فِي مَنْزِلِ أَهْلِهَا إِلَى غَيْرِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَعْنَاهُ لَا تُفْسِدُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ رِوَايَةَ الزُّبَيْرِ وَلَا تُفْسِدُ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ أَنَّ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ بِالْفَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدٍ وَلَا تَنْقُلُ وَكَذَا لِلزُّبَيْرِ عَنْ عَمِّهِ مُصْعَبٍ، وَلِأَبِي عَوَانَةَ وَلَا تَنْتَقِلُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَلَا تُغِثُّ بِمُعْجَمَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ أَيْ تُفْسِدُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْغُثَّةِ بِالضَّمِّ وَهِيَ الْوَسْوَسَةُ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَلَا تُفِشُّ مِيرَتَنَا تَفْشِيشًا بِفَاءٍ وَمُعْجَمَتَيْنِ مِنَ الْإِفْشَاشِ طَلَبُ الْأَكْلِ مِنْ هُنَا وَهُنَا، وَيُقَالُ: فَشَّ مَا عَلَى الْخِوَانِ إِذَا أَكَلَهُ أَجْمَعَ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْخَطَّابِيِّ وَلَا تُفْسِدُ مِيرَتَنَا تَغْشِيشًا بِمُعْجَمَاتٍ، وَقَالَ: مَأْخُوذٌ مِنْ غَشِيشِ الْخُبْزِ إِذَا فَسَدَ، تُرِيدُ أَنَّهَا تُحْسِنُ مُرَاعَاةَ الطَّعَامِ وَتَتَعاهَدُهُ بِأَنْ تُطْعِمَ مِنْهُ أَوَّلًا طَرِيًّا وَلَا تُغْفِلَهُ فَيَفْسَدَ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَسَّرَهُ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّهَا لَا تُفْسِدُ الطَّعَامَ الْمَخْبُوزَ بَلْ تَتَعَهَّدُهُ بِأَنْ تُطْعِمَهُمْ مِنْهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا، وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيُّ، وَهَذَا إِنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِلْخَطَّابِيِّ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الصَّحِيحِ وَلَا تَمْلَأُ فَلَا يَسْتَقِيمُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَتَعَهَّدُهُ بِالتَّنْظِيفِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِي الْأُولَى كَمَا فِي الْأَصْلِ وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا وَعِنْدَ الْخَطَّابِيِّ وَلَا تُفْسِدُ مِيرَتَنَا تَغْشِيشًا بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَاتَّفَقَتَا فِي الثَّانِيَةِ (١) عَلَى وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا وَهِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْخَطَّابِيِّ هِيَ أَقْعُدُ بِالسَّجْعِ أَعْنِي تَعْشِيشًا مِنْ تَنْقِيثًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ (وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُعْجَمَتَيْنِ، أَيْ أَنَّهَا مُصْلِحَةٌ لِلْبَيْتِ مُهْتَمَّةٌ بِتَنْظِيفِهِ وَإِلْقَاءِ كُنَاسَتِهِ وَإِبْعَادِهَا مِنْهُ وَأَنَّهَا لَا تَكْتَفِي بِقَمِّ كُنَاسَتِهِ وَتَرْكِهَا فِي جَوَانِبِهِ كَأَنَّهَا الْأَعْشَاشُ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَلَا تُعِشُّ بَدَلَ وَلَا تَمْلَأُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ الَّتِي عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ بَعْدُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَدَلَ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مِنَ الْغِشِّ ضِدُّ الْخَالِصِ، أَيْ لَا تَمْلَؤُهُ بِالْخِيَانَةِ بَلْ هِيَ مُلَازِمَةٌ لِلنَّصِيحَةِ فِيمَا هِيَ فِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عِفَّةِ فَرَجِهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَمْلَأُ الْبَيْتَ وَسَخًا بِأَطْفَالِهَا مِنَ الزِّنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كِنَايَةٌ عَنْ وَصْفِهَا بِأَنَّهَا لَا تَأْتِيهِمْ بِشَرٍّ وَلَا تُهْمَةٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَعْشِيشًا بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَشَّشَتِ النَّخْلَةُ إِذَا قَلَّ سَعَفُهَا أَيْ لَا تَمْلَؤُهُ اخْتِزَالًا وَتَقْلِيلًا لِمَا فِيهِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ وَلَا تُنَجِّثُ أَخْبَارَنَا تَنْجِيثًا بِنُونٍ وَجِيمٍ وَمُثَلَّثَةٍ أَيْ تَسْتَخْرِجُهَا، وَأَصْلُ التَّنْجِثَةِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْبِئْرِ مِنْ تُرَابٍ، وَيُقَالُ أَيْضًا: بِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ الْجِيمِ، زَادَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْوَرْكَانِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: حَتَّى ذَكَرَتْ كَلْبَ أَبِي زَرْعٍ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنِ الْبَغَوِيِّ، عَنِ الْوَرْكَانِيِّ، وَزَادَ الْهَيْثَمُ بْنُ عِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ ضَيْفُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا ضَيْفُ أَبِي زَرْعٍ، فِي شِبَعٍ وَرَيٍّ وَرَتَعٍ.
طُهَاةُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا طُهَاةُ أَبِي زَرْعٍ لَا تَفْتُرُ وَلَا تُعَدَّى تُقْدَحُ قِدْرا وَتُنْصَبُ أُخْرَى، فَتَلْحَقُ الْآخِرَةُ بِالْأُولَى. مَالُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا مَالُ أَبِي زَرْعٍ عَلَى الْجَمَمِ مَعْكُوسٌ، وَعَلَى الْعُفَاةِ مَحْبُوسٌ، وَقَوْلُهُ رَيٍّ وَرَتَعٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْمُثَنَّاةِ أَيْ تَنَعُّمٍ وَمَسَرَّةٍ وَالطُّهَاةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الطَّبَّاخُونَ، وَقَوْلُهُ لَا تَفْتُرُ بِالْفَاءِ السَّاكِنَةِ ثُمَّ الْمُثَنَّاةِ الْمَضْمُومَةِ
(١) كذا، والصواب: في كلام الثانية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute