للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عُثْمَانَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي صِرْمَةَ قَالَا: أَصَبْنَا سَبَايَا وَالْمَحْفُوظُ الْأَوَّلُ.

قَوْلُهُ (أَصَبْنَا سَبْيًا) فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فِي الْبُيُوعِ، وَيُونُسَ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ زَادَ يُونُسُ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَفِي رِوَايَةِ رَبِيعَةَ الْمَذْكُورَةِ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَسَبْينَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ، وَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ وَنَعْزِلَ، فَقُلْنَا: نَفْعَلُ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا لَا نَسْأَلُهُ، فَسَأَلْنَاهُ.

قَوْلُهُ (فَكُنَّا نَعْزِلُ) فِي رِوَايَةِ يُونُسَ، وَشُعَيْبٍ فَقَالَ: إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا وَنُحِبُّ الْمَالَ فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: وَمَا ذَلِكُمْ؟ قَالُوا: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ تُرْضِعُ لَهُ فَيُصِيبُ مِنْهَا وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ، وَالرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْأَمَةُ فَيُصِيبُ مِنْهَا وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ، فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ سَبَبَ الْعَزْلِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا كَرَاهَةُ مَجِيءِ الْوَلَدِ مِنَ الْأَمَةِ وَهُوَ إِمَّا أَنَفَةً مِنْ ذَلِكَ، وَإِمَّا لِئَلَّا يَتَعَذَّرَ بَيْعُ الْأَمَةِ إِذَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَأَذْكُرُهُ بَعْدَهُ، وَالثَّانِي كَرَاهَةَ أَنْ تَحْمِلَ الْمَوْطُوءَةُ وَهِيَ تُرْضِعُ فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِالْوَلَدِ الْمُرْضَعِ. قَوْلُهُ (أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ)؟ هَذَا الِاسْتِفْهَامُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مَا كَانَ اطَّلَعَ عَلَى فِعْلِهِمْ ذَلِكَ، فَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ مَرْفُوعٌ مُعْتَلًّا بِأَنَّ الظَّاهِرَ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، فَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُمْ فَعَلُوا الْعَزْلَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى سَأَلُوهُ عَنْهُ، نَعَمْ لِلْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ كَانَتْ دَوَاعِيهُمْ مُتَوَفِّرَةً عَلَى سُؤَالِهِ عَنْ أُمُورِ الدِّينِ، فَإِذَا فَعَلُوا الشَّيْءَ وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ بَادَرُوا إِلَى سُؤَالِهِ عَنِ الْحُكْمِ فِيهِ فَيَكُونُ الظُّهُورُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ.

وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ رَبِيعَةَ: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: قَوْلُهُ لَا عَلَيْكُمْ أَقْرَبُ إِلَى النَّهْيِ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ نَحْوُهُ دُونَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ الْحَسَنَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لِكَأَنَّ هَذَا زَجْرٌ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَأَنَّ هَؤُلَاءِ فَهِمُوا مِنْ لَا النَّهْيَ عَمَّا سَأَلُوهُ عَنْهُ فَكَأَنَّ عِنْدَهُمْ بَعْدَ لَا حَذْفًا تَقْدِيرُهُ لَا تَعْزِلُوا وَعَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَعَلَيْكُمْ إِلَخْ تَأْكِيدًا لِلنَّهْيِ.

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ هَذَا التَّقْدِيرِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتْرُكُوا، وَهُوَ الَّذِي يُسَاوِي أَنْ لَا تَفْعَلُوا، وَقَالَ غَيْرُهُ: قَوْلُهُ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا أَيْ لَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، فَفِيهِ نَفْيُ الْحَرَجِ عَنْ عَدَمِ الْفِعْلِ فَأَفْهَمَ ثُبُوتَ الْحَرَجِ فِي فِعْلِ الْعَزْلِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْحَرَجِ عَنِ الْفِعْلِ لَقَالَ: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَّا إِنِ ادَّعَى أَنَّ لَا زَائِدَةٌ، فَيُقَالُ: الْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ الْآتِيَةِ فِي التَّوْحِيدِ تَعْلِيقًا وَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ؟ وَلَمْ يَقُلْ: لَا يَفْعَلْ ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُمْ بِالنَّهْيِ، وَإِنَّمَا أَشَارَ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ إِنَّمَا كَانَ خَشْيَةَ حُصُولِ الْوَلَدِ فَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ إِنْ كَانَ قَدَّرَ خَلْقَ الْوَلَدِ لَمْ يَمْنَعِ الْعَزْلُ ذَلِكَ، فَقَدْ يَسْبِقُ الْمَاءُ وَلَا يَشْعُرُ الْعَازِلُ فَيَحْصُلُ الْعُلُوقُ وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ وَلَا رَادَّ لِمَا قَضَى اللَّهُ، وَالْفِرَارُ مِنْ حُصُولِ الْوَلَدِ يَكُونُ لِأَسْبَابٍ: مِنْهَا خَشْيَةَ عُلُوقِ الزَّوْجَةِ الْأَمَةِ لِئَلَّا يَصِيرَ الْوَلَدُ رَقِيقًا، أَوْ خَشْيَةَ دُخُولِ الضَّرَرِ عَلَى الْوَلَدِ الْمُرْضَعِ إِذَا كَانَتِ الْمَوْطُوءَةُ تُرْضِعُهُ، أَوْ فِرَارًا مِنْ كَثْرَةِ الْعِيَالِ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُقِلًّا فَيَرْغَبُ عَنْ قِلَّةِ الْوَلَدِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِتَحْصِيلِ الْكَسْبِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُغْنِي شَيْئًا.

وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَنِ الْعَزْلِ، فَقَالَ النَّبِيُّ : لَوْ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ أَهْرَقْتَهُ عَلَى صَخْرَةٍ لَأَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا وَلَدًا، وَله شَاهِدَانِ فِي الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ