ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي الْأَوْسَطِ لَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الَّتِي يَقَعُ الْعَزْلُ بِسَبَبِهَا مَا يَكُونُ الْعَزْلُ فِيهِ رَاجِحًا سِوَى الصُّورَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ مِنْ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَهِيَ خَشْيَةِ أَنْ يَضُرَّ الْحَمْلُ بِالْوَلَدِ الْمُرْضَعِ لِأَنَّهُ مِمَّا جُرِّبَ فَضَرَّ غَالِبًا، لَكِنْ وَقَعَ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ الْعَزْلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقَعَ الْحَمْلُ بِغَيْرِ الِاخْتِيَارِ، وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي أَعْزِلُ عَنِ امْرَأَتِي شَفَقَةً عَلَى وَلَدِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا، مَا ضَرَّ ذَلِكَ فَارِسَ وَلَا الرُّومَ. وَفِي الْعَزْلِ أَيْضًا إِدْخَالُ ضَرَرٍ عَلَى الْمَرْأَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ لَذَّتِهَا. وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي حُكْمِ الْعَزْلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُعْزَلُ عَنِ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ حَقِّهَا، وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَيْسَ الْجِمَاعُ الْمَعْرُوفُ إِلَّا مَا لَا يَلْحَقُهُ عَزْلٌ.
وَوَافَقَهُ فِي نَقْلِ هَذَا الْإِجْمَاعِ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْجِمَاعِ أَصْلًا، ثُمَّ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي جَوَازِ الْعَزْلِ عَنِ الْحُرَّةِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا، قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ: يَجُوزُ، وَهُوَ الْمُصَحَّحُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ لِذَلِكَ بِحَدِيثٍ عَنْ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: نَهَى عَنِ الْعَزْلِ عَنِ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَفِي إِسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ الْجَزْمُ بِالْمَنْعِ إِذَا امْتَنَعَتْ، وَفِيمَا إِذَا رَضِيَتْ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرَّةِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً فَهِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْحُرَّةِ إِنْ جَازَ فِيهَا فَفِي الْأَمَةِ أَوْلَى، وَإِنِ امْتَنَعَ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ تَحَرُّزًا مِنْ إِرْقَاقِ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَتْ سُرِّيَّةً جَازَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُمْ إِلَّا فِي وَجْهٍ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا كَمَذْهَبِ ابْنِ حَزْمٍ، وَإِنْ كَانَتِ السُّرِّيَّةُ مُسْتَوْلَدَةً فَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ فِيهِ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رَاسِخَةً فِي الْفِرَاشِ، وَقِيلَ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ. هَذَا وَاتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ عَلَى أَنَّ الْحُرَّةَ لَا يَعْزِلُ عَنْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَأَنَّ الْأَمَةَ يَعْزِلُ عَنْهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُزَوَّجَةِ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِ سَيِّدِهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالرَّاجِحُ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَأَحْمَدُ: الْإِذْنُ لَهَا، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَنْهُ بِإِذْنِهَا، وَعَنْهُ يُبَاحُ الْعَزْلُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا.
وَالَّذِي احْتَجَّ بِهِ مَنْ جَنَحَ إِلَى التَّفْصِيلِ لَا يَصِحُّ إِلَّا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تُسْتَأْمَرُ الْحُرَّةُ فِي الْعَزْلِ وَلَا تُسْتَأْمَرُ الْأَمَةُ السُّرِّيَّةُ، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً تَحْتَ حُرٍّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْمِرَهَا وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَوْ كَانَ مَرْفُوعًا لَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ عَنْهُ. وَقَدِ اسْتَنْكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْقَوْلَ بِمَنْعِ الْعَزْلِ عَمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ، وَنَقَلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لَهَا حَقَّ الْمُطَالَبَةِ بِهِ إِذَا قَصَدَ بِتَرْكِهِ إِضْرَارَهَا. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ: لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ إِلَّا فِي وَطْئَةٍ وَاحِدَةٍ يَسْتَقِرُّ بِهَا الْمَهْرُ، قَالَ: فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهَا حَقٌّ فِي الْعَزْلِ، فَإِنْ خَصُّوهُ بِالْوَطْئَةِ الْأُولَى فَيُمْكِنُ وَإِلَّا فَلَا يَسُوغُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ اهـ. وَمَا نَقَلَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا أَصْلًا، نَعَمْ جَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ بِوُجُوبِ الْوَطْءِ وَبِتَحْرِيمِ الْعَزْلِ، وَاسْتَنَدَ إِلَى حَدِيثِ جُذَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ: ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَهَذَا مُعَارَضٌ بِحَدِيثَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَتْ لَنَا جِوَارِي وَكُنَّا نَعْزِلُ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ تِلْكَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: كَذَبَتِ الْيَهُودُ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَهُ لَمْ تَسْتَطِعْ رَدَّهُ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي مُطِيعِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute