وَلَفْظُهُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: لِيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ فَإِنْ شَاءَ فَلْيُطَلِّقْهَا. قالَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: أَفَيُحْسَبُ بِهَا؟ قَالَ: مَا يَمْنَعُهُ؟ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ. وَقَالَ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ فَذَكَرَهُ أَتَمَّ مِنْهُ وَفِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ - وَفِيهِ - فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ إِنْ بَدَا لَهُ طَلَاقُهَا طَلَّقَهَا فِي قُبُلِ عِدَّتِهَا وَفِي قُبُلِ طُهْرِهَا.
قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: أَفَتَحْتَسِبُ طَلَاقَهَا ذَلِكَ طَلَاقًا؟ قَالَ: نَعَمْ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ وَقَدْ سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا نَحْوَ هَذَا السِّيَاقِ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ بِطُولِهِ وَفِيهِ قُلْتُ: فَهَلْ عُدَّ ذَلِكَ طَلَاقًا؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ، أَنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ وَسَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ الْعِدَدِ فِي بَابِ مُرَاجَعَةِ الْحَائِضِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ مُخْتَصَرًا، وَفِيهِ قُلْتُ: فَتَعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مُطَوَّلًا وَلَفْظُهُ فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ أَيَعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ؟ قَالَ: فَمَهْ؟ أَوْ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَقُلْتُ: أَفَتُحْتَسَبُ عَلَيْهِ وَالْبَاقِي مِثْلُهُ. وَقَوْلُهُ فَمَهْ أَصْلُهُ فَمَا، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ فِيهِ اكْتِفَاءٌ، أَيْ: فَمَا يَكُونُ إِنْ لَمْ تُحْتَسَبْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ أَصْلِيَّةً وَهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلزَّجْرِ، أَيْ: كُفَّ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فَمَهْ مَعْنَاهُ فَأَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ إِذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا؟ إِنْكَارًا لِقَوْلِ السَّائِلِ أَيُعْتَدُّ بِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ بُدٌّ؟ وَقَوْلُهُ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ أَيْ إِنْ عَجَزَ عَنْ فَرْضٍ فَلَمْ يُقِمْهُ، أَوِ اسْتَحْمَقَ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ أَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ؟ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، أَيْ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ أَيُسْقِطُ عَنْهُ الطَّلَاقَ حُمْقُهُ أَوْ يُبْطِلُهُ عَجْزُهُ؟ وَحَذَفَ الْجَوَابُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ إِنْ نَافِيَةً بِمَعْنَى مَا، أَيْ: لَمْ يَعْجَزِ ابْنُ عُمَرَ وَلَا اسْتَحْمَقَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِفْلٍ وَلَا مَجْنُونٍ. قَالَ: وَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ أَلِفِ أَنْ فَمَعْنَاهُ أَظْهَرُ، وَالتَّاءُ مِنَ اسْتَحْمَقَ مَفْتُوحَةٌ، قَالَهُ ابْنُ الْخَشَّابِ، وَقَالَ: الْمَعْنَى فَعَلَ فِعْلًا يُصَيِّرُهُ أَحْمَقَ عَاجِزًا فَيَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمَ الطَّلَاقِ عَجْزُهُ أَوْ حُمْقُهُ، وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ تَكَلَّفَ الْحُمْقَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ تَطْلِيقِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ. وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِضَمِّ التَّاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، أَيْ إِنَّ النَّاسَ اسْتَحْمَقُوهُ بِمَا فَعَلَ، وَهُوَ مُوَجَّهٌ. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: مَعْنَى قَوْلِهِ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ يَعْنِي عَجَزَ فِي الْمُرَاجَعَةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا عَنْ إِيقَاعِ الطَّلَاقِ أَوْ فَقَدَ عَقْلَهُ فَلَمْ تُمْكِنْ مِنْهُ الرَّجْعَةُ أَتَبْقَى الْمَرْأَةُ مُعَلَّقَةً لَا ذَاتَ بَعْلٍ وَلَا مُطَلَّقَةً؟ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ أَنْ تُحْتَسَبَ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ الَّتِي أَوْقَعَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، كَمَا أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ عَنْ فَرْضٍ آخَرَ لِلَّهِ فَلَمْ يُقِمْهُ وَاسْتَحْمَقَ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ مَا كَانَ يُعْذَرُ بِذَلِكَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ.
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ) كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَلِلْبَاقِينَ وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ وَبِهِ جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَسَقَطَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ أَصْلًا.
قَوْلُهُ (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ) هُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الْحِسَابِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا، وَزَادَ يَعْنِي حِينَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: شَذَّ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالَ إِذَا طَلَّقَ الْحَائِضَ لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَأَشْبَهَ طَلَاقَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ يَعْنِي الْآنَ. قَالَ: وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَهُوَ شُذُوذٌ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ بْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute