إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ الَّذِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي حَقِّهِ: إِبْرَاهِيمُ ضَالٌّ، جَلَسَ فِي بَابِ الضَّوَالِّ يُضِلُّ النَّاسَ. وَكَانَ بِمِصْرَ، وَلَهُ مَسَائِلُ يَنْفَرِدُ بِهَا. وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَقَدْ غَلِطَ فِيهِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ الْمَسَائِلُ الشَّاذَّةُ أَبُوهُ، وَحَاشَاهُ، فَإِنَّهُ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَكَأَنَّ النَّوَوِيَّ أَرَادَ بِبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ ابْنَ حَزْمٍ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ جَرَّدَ الْقَوْلَ بِذَلِكَ وَانْتَصَرَ لَهُ وَبَالَغَ، وَأَجَابَ عَنْ أَمْرِ ابْنِ عُمَرِ بِالْمُرَاجَعَةِ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ اجْتَنَبَهَا فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَهَا إِلَيْهِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ، فَحَمَلَ الْمُرَاجَعَةَ عَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ اتِّفَاقًا، وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ بِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِمَنْ حَسَبَهَا عَلَيْهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مِثْلُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِكَذَا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إِلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ حِينَئِذٍ وَهُوَ النَّبِيُّ ﷺ، كَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا بِكَذَا فَإِنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ حَيْثُ يَكُونُ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ صَرِيحًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي قِصَّةِ ابْنِ عُمَرَ هَذِهِ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ هُوَ الْآمِرُ بِالْمُرَاجَعَةِ وَهُوَ الْمُرْشِدُ لِابْنِ عُمَرَ فِيمَا يَفْعَلُ إِذَا أَرَادَ طَلَاقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِذَا أَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ حُسِبَتْ عَلَيْهِ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي حَسَبَهَا عَلَيْهِ غَيْرَ النَّبِيِّ ﷺ بَعِيدًا جِدًّا مَعَ احْتِفَافِ الْقَرَائِنِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِذَلِكَ، وكَيْفَ يَتَخَيَّلُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يَفْعَلُ فِي الْقِصَّةِ شَيْئًا بِرَأْيِهِ وَهُوَ يَنْقُلُ أَنَّ
النَّبِيَّ ﷺ تَغَيَّظَ مِنْ صَنِيعِهِ كَيْفَ لَمْ يُشَاوِرْهُ فِيمَا يَفْعَلُ فِي الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ؟
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَهِيَ وَاحِدَةٌ قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: وَحَدَّثَنِي حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ سَمِعَ سَالِمًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِذَلِكَ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ هِيَ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ. وَقَدْ أَوْرَدَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ، فَأَجَابَهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ هِيَ وَاحِدَةٌ لَعَلَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ ﷺ، فَأَلْزَمَهُ بِأَنَّهُ نَقَضَ أَصْلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يُدْفَعُ بِالِاحْتِمَالِ.
وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقِصَّةِ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَتُحْتَسَبُ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَرِجَالُهُ إِلَى شُعْبَةَ ثِقَاتٌ. وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي الْبَتَّةَ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ: عَصَيْتَ رَبَّكَ، وَفَارَقْتَ امْرَأَتَكَ. قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ ابْنَ عُمَرَ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ، قَالَ: إِنَّهُ أَمَرَ ابْنَ عُمَرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِطَلَاقٍ بَقِيَ لَهُ، وَأَنْتَ لَمْ تُبْقِ مَا تَرْتَجِعُ بِهِ امْرَأَتَكَ وَفِي هَذَا السِّيَاقِ رَدٌّ عَلَى مَنْ حَمَلَ الرَّجْعَةَ فِي قِصَّةِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَقَدْ وَافَقَ ابْنَ حَزْمٍ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَلَهُ كَلَامٌ طَوِيلٌ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَالِانْتِصَارِ لَهُ.
وَأَعْظَمُ مَا احْتَجُّوا بِهِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَفِيهِ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لِيُرَاجِعْهَا، فَرَدَّهَا وَقَالَ: إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ يُمْسِكْ لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَلِلنَّسَائِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ فَرَدَّهَا عَلَيَّ زَادَ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَسَاقَهُ عَلَى لَفْظِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْهُ، وَقَالَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ مِثْلُ حَدِيثِ حَجَّاجٍ وَفِيهِ بَعْضُ الزِّيَادَةِ، فَأَشَارَ إِلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَلَعَلَّهُ طَوَى ذِكْرَهَا عَمْدًا. وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ عَنْ رَوْحِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute