وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْحَلْوَى وَلِأَنَّهُ مُفْرَدٌ وَالْحَلْوَى مُرَكَّبَةٌ، وَتَقْدِيمُ الْحَلْوَى لِشُمُولِهَا وَتَنَوُّعِهَا لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ مِنَ الْعَسَلِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ، وَإِنَّمَا الْعَامُّ الَّذِي يَدْخُلُ الْجَمِيعُ فِيهِ، الْحُلْوُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَلَيْسَ بَعْدَ الْوَاوِ شَيْءٌ، وَوَقَعَتِ الْحَلْوَاءُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِالْمَدِّ وَفِي بَعْضِهَا بِالْقَصْرِ وَهِيَ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، وَذَكَرَتْ عَائِشَةُ هَذَا الْقَدْرَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ تَمْهِيدًا لِمَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ قِصَّةِ الْعَسَلِ، وَسَأَذْكُرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَلْوَى وَالْعَسَلِ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ (وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَخَالَفَهُمْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَقَالَ الْفَجْرُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ عَنْ حَمَّادٍ، وَيُسَاعِدُهُ رِوَايَةُ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفِيهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ وَجَلَسَ النَّاسُ حَوْلَهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَى نِسَائِهِ امْرَأَةً امْرَأَةً يُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ وَيَدْعُو لَهُنَّ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ إِحْدَاهُنَّ كَانَ عِنْدَهَا الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَقَعُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ سَلَامًا وَدُعَاءً مَحْضًا، وَالَّذِي فِي آخِرِهِ مَعَهُ جُلُوسٌ وَاسْتِئْنَاسٌ وَمُحَادَثَةٌ، لَكِنَّ الْمَحْفُوظَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ذِكْرُ الْعَصْرِ، وَرِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ شَاذَّةٌ.
قَوْلُهُ (دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ) فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ أَجَازَ إِلَى نِسَائِهِ أَيْ مَشَى، وَيَجِيءُ بِمَعْنَى قَطَعَ الْمَسَافَةَ وَمِنْهُ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ أَيْ أَوَّلَ مَنْ يَقْطَعُ مَسَافَةَ الصِّرَاطِ.
قَوْلُهُ (فَيَدْنُو مِنْهُنَّ) أَيْ فَيُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى.
قَوْلُهُ (فَاحْتَبَسَ) أَيْ أَقَامَ، زَادَ أَبُو أُسَامَةَ عِنْدَهَا.
قَوْلُهُ (فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ) وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَيَانُ ذَلِكَ، وَلَفْظُهُ فَأَنْكَرَتْ عَائِشَةَ احْتِبَاسَهُ عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَالَتْ لجُوَيْرِيَة حَبَشِيَّةٍ عَنْدَهَا يُقَالُ لَهَا خَضْرَاءُ: إِذَا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَادْخُلِي عَلَيْهَا فَانْظُرِي مَا يَصْنَعُ.
قَوْلُهُ (أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ عَسَلٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا أُهْدِيَتْ لِحَفْصَةَ عُكَّةٌ فِيهَا عَسَلٌ مِنَ الطَّائِفِ.
قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ) فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ وَقُلْتُ لَهَا: إِنَّهُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ سَيَدْنُو مِنْكِ وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ إِذَا دَخَلَ عَلَى إِحْدَاكُنَّ فَلْتَأْخُذْ بِأَنْفِهَا، فَإِذَا قَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ فَقُولِي: رِيحَ الْمَغَافِيرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْمَغَافِيرِ قَبْلُ.
قَوْلُهُ (سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ) فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ إِنَّمَا هيَ عُسَيْلَةٌ سَقَتْنِيهَا حَفْصَةُ.
قَوْلُهُ (جَرَسَتْ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْ رَعَتْ نَحْلُ هَذَا الْعَسَلِ الَّذِي شَرِبْتُهُ الشَّجَرَ الْمَعْرُوفَ بِالْعُرْفُطِ، وَأَصْلُ الْجَرْسِ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ، وَمِنْهُ فِي حَدِيثِ صِفَةِ الْجَنَّةِ يَسْمَعُ جَرْسَ الطَّيْرِ وَلَا يُقَالُ جَرَسَ بِمَعْنَى رَعَى إِلَّا لِلنَّحْلِ، وَقَالَ الْخَلِيلُ جَرَسَتِ النَّحْلُ الْعَسَلَ تَجْرُسُهُ جَرْسًا إِذَا لَحِسَتْهُ، وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ جَرَسَتْ نَحْلُهَا الْعُرْفُطَ إِذًا وَالضَّمِيرُ لِلْعُسَيْلَةِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ.
قَوْلُهُ (الْعُرْفُطُ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ طَاءٌ مُهْمَلَةٌ هُوَ الشَّجَرُ الَّذِي صَمْغُهُ الْمَغَافِيرُ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هُوَ نَبَاتٌ مُرٌّ لَهُ وَرَقَةٌ عَرِيضَةٌ تُفْرَشُ بِالْأَرْضِ وَلَهُ شَوْكَةٌ وَثَمَرَةٌ بَيْضَاءُ كَالْقُطْنِ مِثْلُ زِرِّ الْقَمِيصِ، وَهُوَ خَبِيثُ الرَّائِحَةِ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حِكَايَةِ عِيَاضٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ مَا يَتَعَلَّقُ بِرَائِحَةِ الْعُرْفُطِ وَالْبَحْثُ مَعَهُ فِيهِ قَبْلُ.
قَوْلُهُ (وَقُولِي أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ) أَيْ بِنْتُ حُيَيٍّ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ وَقُولِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ أَيْ قُولِي، الْكَلَامَ الَّذِي عَلَّمْتُهُ لِسَوْدَةَ، زَادَ أَبُو أُسَامَةَ فِي رِوَايَتِهِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ أَيِ الْغَيْرُ الطَّيِّبِ، وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَ أَشَدُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ رِيحٌ سَيِّئٌ وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ رِيحٌ كَرِيهَةٌ لِأَنَّهُ يَأْتِيهِ الْمَلَكُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ الطَّيِّبُ.
قَوْلُهُ