للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَذْكُورَةِ وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُهُ كَذَا فِيهِ لَمْ يَذْكُرْ مُمَيِّزَ عَدَمِ الطَّاقَةِ، وَبَيَّنَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ بِهَا شَيْئًا يَقْتَضِي الشَّكْوَى مِنْهُ بِسَبَبِهِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَنَّهُ كَسَرَ يَدَهَا، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّهُ سَيِّئُ الْخُلُقِ، لَكِنَّهَا مَا تَعِيبُهُ بِذَلِكَ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ.

وَكَذَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ ضَرَبَهَا فَكَسَرَ بَعْضَهَا لَكِنْ لَمْ تَشْكُهُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا بِسَبَبِ ذَلِكَ، بَلْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ دَمِيمَ الْخِلْقَةِ، فَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ كَانَتْ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ لَبَصَقْتُ فِي وَجْهِهِ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِي مِنَ الْجَمَالِ مَا تَرَى، وَثَابِتٌ رَجُلٌ دَمِيمٌ وَفِي رِوَايَةِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي جَرِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوَّلُ خُلْعٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، أَتَتِ النَّبِيَّ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ رَأْسِي وَرَأْسُ ثَابِتٍ أَبَدًا، إِنِّي رَفَعْتُ جَانِبَ الْخِبَاءِ فَرَأَيْتُهُ أَقْبَلَ فِي عِدَّةٍ، فَإِذَا هُوَ أَشَدُّهُمْ سَوَادًا وَأَقْصَرُهُمْ قَامَةً وَأَقْبَحُهُمْ وَجْهًا. فَقَالَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَإِنْ شَاءَ زِدْتُهُ. فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.

قَوْلُهُ (وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ) أَيْ أَكْرَهُ إِنْ أَقَمْتُ عِنْدَهُ أَنْ أَقَعَ فِيمَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ، وَانْتَفَى أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ يَحْمِلَهَا عَلَى الْكُفْرِ وَيَأْمُرَهَا بِهِ نِفَاقًا بِقَوْلِهَا لَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ فِي دَيْنٍ فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ. وَرِوَايَةُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ تُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَيْثُ جَاءَ فِيهَا إِلَّا أَنِّي أَخَافُ الْكُفْرَ وَكَأَنَّهَا أَشَارَتْ إِلَى أَنَّهَا قَدْ تَحْمِلُهَا شِدَّةُ كَرَاهَتِهَا لَهُ عَلَى إِظْهَارِ الْكُفْرِ لِيَنْفَسِخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ، وَهِيَ كَانَتْ تَعْرِفُ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لَكِنْ خَشِيَتْ أَنْ تَحْمِلَهَا شِدَّةُ الْبُغْضِ عَلَى الْوُقُوعِ فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ بِالْكُفْرِ كُفْرَانُ الْعَشِيرِ إِذْ هُوَ تَقْصِيرُ الْمَرْأَةِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْمَعْنَى أَخَافُ عَلَى نَفْسِي فِي الْإِسْلَامِ مَا يُنَافِي حُكْمَهُ مِنْ نُشُوزٍ وَفَرْكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُتَوَقَّعُ مِنَ الشَّابَّةِ الْجَمِيلَةِ الْمُبْغِضَةِ لِزَوْجِهَا إِذَا كَانَ بِالضِّدِّ مِنْهَا، فَأَطْلَقَتْ عَلَى مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْإِسْلَامِ الْكُفْرَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِهَا إِضْمَارٌ، أَيْ أكرَهُ لَوَازِم الْكُفْرِ مِنَ الْمُعَادَاةِ وَالشِّقَاقِ وَالْخُصُومَةِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَلَكِنْ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ. قَوْلُهُ (أَتَرُدِّينَ) فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ فَتَرُدِّينَ وَالْفَاءُ عَاطِفَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ مَحْذُوفٍ، وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ تَرُدِّينَ وَهِيَ اسْتِفْهَامٌ مَحْذُوفُ الْأَدَاةِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى.

قَوْلُهُ (حَدِيقَتَهُ) أَيْ بُسْتَانَهُ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ أَصْدَقَهَا الْحَدِيقَةَ الْمَذْكُورَةَ وَلَفْظُهُ وَكَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَدِيقَةِ نَخْلٍ.

قَوْلُهُ (قَالَتْ نَعَمْ) زَادَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ فَقَالَ ثَابِتٌ: أَيَطِيبُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قَوْلُهُ (اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) هُوَ أَمْرُ إِرْشَادٍ وَإِصْلَاحٍ لَا إِيجَابٍ.

وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا السِّيَاقِ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُثْبِتُ ذَلِكَ وَلَا مَا يَنْفِيهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ طَلِّقْهَا إِلَخْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ طَلِّقْهَا عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ طَلَاقًا صَرِيحًا عَلَى عِوَضٍ، وَلَيْسَ الْبَحْثُ فِيهِ، إِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إِذَا وَقَعَ لَفْظُ الْخُلْعِ أَوْ مَا كَانَ فِي حُكْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِطَلَاقٍ بِصَرَاحَةٍ وَلَا كِنَايَةٍ، هَلْ يَكُونُ الْخُلْعُ طَلَاقًا وَفَسْخًا؟ وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْخُلْعَ وَقَعَ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَكْسِ، نَعَمْ فِي رِوَايَةِ خَالِدٍ الْمُرْسَلَةِ ثَانِيَةَ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَرَدَّتْهَا وَأَمَرَهُ فَطَلَّقَهَا وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي تَقْدِيمِ الْعَطِيَّةِ عَلَى الْأَمْرِ بِالطَّلَاقِ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِنْ أَعْطَتْكَ طَلِّقْهَا، وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا التَّصْرِيحُ بِوُقُوعِ صِيغَةِ الْخُلْعِ، وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فَأَخَذَهَا لَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهَا وَفِي حَدِيثِ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ