للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَأَخَذَهَا مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا لَكِنْ مُعْظَمُ الرِّوَايَاتِ فِي الْبَابِ تُسَمِّيهِ خُلْعًا، فَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ الْبُخَارِيُّ.

قَوْلُهُ (لَا يُتَابَعُ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) أَيْ لَا يُتَابَعُ أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ عَنْ ذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَلْ أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ، وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ خُصُوصُ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَلِهَذَا عَقَّبَهُ بِرِوَايَةِ خَالِدٍ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ، عَنْ خَالِدٍ وَهُوَ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا ثُمَّ بِرِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ مُرْسَلًا وَعَنْ أَيُّوبَ مَوْصُولًا، وَرِوَايَةُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ الْمَوْصُولَةُ وَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ.

قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (لَا أُطِيقُهُ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَهُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِالْقَافِ، وَذَكَرَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ فِي بَعْضِهَا أُطِيعُهُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ.

ثُمَّ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى أَيُّوبَ أَيْضًا فِي وَصْلِ الْخَبَرِ وَإِرْسَالِهِ، فَاتَّفَقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَلَى وَصْلِهِ، وَخَالَفَهُمَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا.

وَيُؤْخَذُ مِنْ إِخْرَاجِ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحِ فَوَائِدُ:

مِنْهَا أَنَّ الْأَكْثَرَ إِذَا وَصَلُوا وَأَرْسَلَ الْأَقَلُّ قُدِّمَ الْوَاصِلُ وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَرْسَلَ أَحْفَظَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ تُقَدَّمُ رِوَايَةُ الْوَاصِلِ عَلَى الْمُرْسِلِ دَائِمًا. وَمِنْهَا أَنَّ الرَّاوِيَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنَ الضَّبْطِ وَوَافَقَهُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ اعْتَضَدَ وَقَاوَمَتِ الرِّوَايَتَانِ رِوَايَةَ الضَّابِطِ الْمُتْقِنِ. وَمِنْهَا أَنَّ أَحَادِيثَ الصَّحِيحِ مُتَفَاوِتَةُ الْمَرْتَبَةِ إِلَى صَحِيحٍ وَأَصَحَّ. وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ - غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ - أَنَّ الشِّقَاقَ إِذَا حَصَلَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ فَقَطْ جَازَ الْخُلْعُ وَالْفِدْيَةُ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِوُجُودِهِ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَأَنَّ ذَلِكَ يُشْرَعُ إِذَا كَرِهَتِ الْمَرْأَةُ عِشْرَةَ الرَّجُلِ وَلَوْ لَمْ يَكْرَهْهَا وَلَمْ يَرَ مِنْهَا مَا يَقْتَضِي فِرَاقَهَا.

وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذَ الْفِدْيَةِ مِنْهَا إِلَّا أَنْ يَرَى عَلَى بَطْنِهَا رَجُلًا، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَبْلُغْهُمَا الْحَدِيثُ. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ سِيرِينَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ فَسَّرَتِ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ. ثُمَّ ظَهَرَ لِي قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ تَوْجِيهٌ، وَهُوَ تَخْصِيصُهُ بِمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ بِأَنْ يَكْرَهَهَا وَهِيَ لَا تَكْرَهُهُ فَيُضَاجِرُهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ. فَوَقَعَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَرَاهَا عَلَى فَاحِشَةٍ وَلَا يَجِدُ بَيِّنَةً وَلَا يُحِبُّ أَنْ يَفْضَحَهَا فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْهَا وَيَأْخُذَ مِنْهَا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَيُطَلِّقَهَا، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِلْحَدِيثِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْكَرَاهَةُ مِنْ قِبَلِهَا، وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقَعَ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا جَمِيعًا، وَإِنْ وَقَعَ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يَنْدَفِعُ الْإِثْمُ، وَهُوَ قَوِيٌّ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْآيَتَيْنِ وَلَا يُخَالِفُ مَا وَرَدَ فِيهِ، وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ، وَالشَّعْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ، وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا لَمْ تَقُمْ بِحُقُوقِ الزَّوْجِ الَّتِي أُمِرَتْ بِهَا كَانَ ذَلِكَ مُنَفِّرًا لِلزَّوْجِ عَنْهَا غَالِبًا وَمُقْتَضِيًا لِبُغْضِهِ لَهَا فَنَسَبَتِ الْمَخَافَةَ إِلَيْهِمَا لِذَلِكَ، وَعَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ ﷺ لَمْ يَسْتَفْسِرْ ثَابِتًا: هَلْ أَنْتَ كَارِهُهَا كَمَا كَرِهَتْكَ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ فَطَلَّقَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ.

فَإِنْ لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ صَرِيحًا وَلَا