للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا قَوْلُ عَائِشَةَ كَانَ عَبْدًا، وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا، فَأَخْبَرَتْ وَهِيَ صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ بِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، ثُمَّ عَلَّلَتْ بِقَوْلِهَا وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَقُولُهُ إِلَّا تَوْقِيفًا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، وَهِيَ مُدْرَجَةٌ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ، بَيَّنَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ.

نَعَمْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتْ بَرِيرَةُ مُكَاتَبَةً لِأُنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَأُسَامَةُ فِيهِ مَقَالٌ، وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ فَمَرْدُودَةٌ فَإِنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَجَالًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا تَوْجِيهُهُ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ أَيْضًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ حُرًّا. قُلْتُ: وَأَصْرَحُ مَا رَأَيْتُهُ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا فَلَمَّا عُتِقَتْ خُيِّرَتْ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ إِدْرِيسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا السَّنَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ النَّخَعِيِّ، عَنِ الْأَسْوَدِ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ فَدَلَّتِ الرِّوَايَاتُ الْمُفَصَّلَةُ الَّتِي قَدَّمْتُهَا آنِفًا عَلَى أَنَّهُ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الْأَسْوَدِ، أَوْ مَنْ دُونَهُ فَيَكُونُ مِنْ أَمْثِلَةِ مَا أُدْرِجَ فِي أَوَّلِ الْخَبَرِ، وَهُوَ نَادِرٌ فَإِنَّ الْأَكْثَرَ أَنْ يَكُونَ فِي آخِرِهِ وَدُونَهُ أَنْ يَقَعَ فِي وَسَطِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا فَتُرَجَّحُ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ كَانَ عَبْدًا بِالْكَثْرَةِ، وَأَيْضًا فَآلُ الْمَرْءِ أَعْرَفُ بِحَدِيثِهِ، فَإِنَّ الْقَاسِمَ ابْنُ أَخِي عَائِشَةَ، وَعُرْوَةَ ابْنُ أُخْتِهَا وَتَابَعَهُمَا غَيْرُهُمَا فَرِوَايَتُهُمَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ، فَإِنَّهُمَا أَقْعَدُ بِعَائِشَةَ وَأَعْلَمُ بِحَدِيثِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيَتَرَجَّحُ أَيْضًا بِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا عَتَقَتْ تَحْتَ الْحُرِّ لَا خِيَارَ لَهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا رَوَى الْعِرَاقِيُّونَ عَنْهَا فَكَانَ يَلْزَمُ عَلَى أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِقَوْلِهَا وَيَدَعُوا مَا رُوِيَ عَنْهَا لَا سِيَّمَا وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْهَا فِيهِ، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِحَمْلِ قَوْلِ مَنْ قَالَ كَانَ عَبْدًا عَلَى اعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ ثُمَّ أُعْتِقَ، فَلِذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ كَانَ حُرًّا، وَيَرُدُّ هَذَا الْجَمْعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ كَانَ عَبْدًا وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ تُخَيَّرْ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ يَوْمَ أُعْتِقَتْ فَهَذَا يُعَارِضُ الرِّوَايَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ، وَيُعَارِضُ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَالَ كَانَ حُرًّا أَرَادَ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ، وَإِذَا تَعَارَضَا إِسْنَادًا وَاحْتِمَالًا احْتِيجَ إِلَى التَّرْجِيحِ وَرِوَايَةُ الْأَكْثَرِ يُرَجَّحُ بِهَا وَكَذَلِكَ الْأَحْفَظُ وَكَذَلِكَ الْأَلْزَمُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي جَانِبِ مَنْ قَالَ كَانَ عَبْدًا.

وَفِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ مِنَ الْفَوَائِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَفِي الزَّكَاةِ وَالْكَثِيرِ مِنْهَا فِي الْعِتْقِ: جَوَازُ الْمُكَاتَبَةِ بِالسُّنَّةِ تَقْرِيرًا لِحُكْمِ الْكِتَابِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْأَوَائِلِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهَا أَوَّلُ كِتَابَةٍ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ قِصَّةُ سَلْمَانَ، فَيُجْمَعُ بِأَنَّ أَوَّلِيَّتَهُ فِي الرِّجَالِ وَأَوَّلِيَّةَ بَرِيرَةَ فِي النِّسَاءِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَوَّلَ مُكَاتَبٍ فِي الْإِسْلَامِ أَبُو أُمَيَّةَ عَبْدُ عُمَرَ، وَادَّعَى الرُّويَانِيُّ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَمْ تَكُنْ تُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَخُولِفَ. وَيُؤْخَذُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ الْبَيْعُ إِلَى أَجَلٍ وَالِاسْتِقْرَاضُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَفِيهِ إِلْحَاقُ الْإِمَاءِ بِالْعَبِيدِ لِأَنَّ الْآيَةَ ظَاهِرَةٌ فِي الذُّكُورِ، وَفِيهِ جَوَازُ كِتَابَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الرَّقِيقَيْنِ، وَيُلْحَقُ بِهِ جَوَازُ بَيْعِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَجَوَازُ كِتَابَةِ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا حِرْفَةَ، كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ طَلَبِهَا مِنْ عَائِشَةَ الْإِعَانَةُ عَلَى حَالِهَا أَنْ يَكُونَ لَا مَالَ لَهَا وَلَا حِرْفَةَ، وَفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إِذَا رَضِيَ وَلَمْ يُعَجِّزْ نَفْسَهُ إِذَا وَقَعَ التَّرَاضِي بِذَلِكَ، وَحَمَلَهُ مَنْ مَنَعَ عَلَى أَنَّهَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَقِيلَ: إِنَّمَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى نُجُومِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ