سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ، هَكَذَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ قِصَّتَهَا مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْهَا، وَلَمْ أَرَهَا فِي الْبُخَارِيِّ وَإِنَّمَا تَرْجَمَ لَهَا كَمَا تَرَى، وَأَوْرَدَ أَشْيَاءَ مِنْ قِصَّتِهَا بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهَا، وَوَهِمَ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ فَأَوْرَدَ حَدِيثَهَا بِطُولِهِ فِي الْمُتَّفَقِ. وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ فَاطِمَةَ عَلَى كَثْرَتِهَا عَنْهَا أَنَّهَا بَانَتْ بِالطَّلَاقِ، وَوَقَعَ فِي آخِرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْجَسَّاسَةِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: نَكَحْتُ ابْنَ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ مِنْ خِيَارِ شَبَابِ قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ، فَأُصِيبَ فِي الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِي أَبُو جَهْمٍ الْحَدِيثَ.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهْمٌ، وَلَكِنْ أَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أُصِيبَ بِجِرَاحَةٍ، أَوْ أُصِيبَ فِي مَالِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، حَكَاهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا: أُصِيبَ أَيْ: مَاتَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَكَانَ فِي بَعْثِ عَلِيٍّ إِلَى الْيَمَنِ، فَيَصْدُقُ أَنَّهُ أُصِيبَ فِي الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَيْ: فِي طَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ بَيْنُونَتُهَا مِنْهُ بِالْمَوْتِ، بَلْ بِالطَّلَاقِ السَّابِقِ عَلَى الْمَوْتِ، فَقَدْ ذَهَبَ جَمْعٌ جَمٌّ إِلَى أَنَّهُ مَاتَ مَعَ عَلِيٍّ بِالْيَمَنِ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهَا بِطَلَاقِهَا، فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ اسْتَقَامَ هَذَا التَّأْوِيلُ وَارْتَفَعَ الْوَهْمُ، وَلَكِنْ يَبْعُدُ بِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ بَقِيَ إِلَى خِلَافَةِ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ اللَّهُ ﷿: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾ الْآيَةَ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلنَّسَفِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿بُيُوتِهِنَّ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ: - ﴿بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ وَسَاقَ الْآيَاتِ كُلَّهَا إِلَى ﴿يُسْرًا﴾ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ.
قَوْلُهُ: (إِسْمَاعِيلُ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ.
قَوْلُهُ: (يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ) أَيِ: ابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَكَانَ أَبُوهُ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ لِمُعَاوِيَةَ، وَيَحْيَى هُوَ أَخُو عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ الْمَعْرُوفُ بِالْأَشْدَقِ.
قَوْلُهُ: (طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ) هِيَ بِنْتُ أَخِي مَرْوَانَ الَّذِي كَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ أَيْضًا لِمُعَاوِيَةَ حِينَئِذٍ وَوَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاسْمُهَا عَمْرَةُ فِيمَا قِيلَ، وَسَيَأْتِي فِي الْخَبَرِ الثَّالِثِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ.
قَوْلُهُ: قَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ غَلَبَنِي) وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَهُوَ الَّذِي فَصَلَ بَيْنَ حَدِيثَيْ شَيْخَيْهِ فَسَاقَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، ثُمَّ بَيَّنَ لَفْظَ سُلَيْمَانَ وَهُوَ ابْنُ يَسَارٍ وَحْدَهُ، وَلَفْظَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ، وَقَوْلُ مَرْوَانَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ غَلَبَنِي، أَيْ: لَمْ يُطِعْنِي فِي رَدِّهَا إِلَى بَيْتِهَا، وَقِيلَ: مُرَادُهُ غَلَبَنِي بِالْحُجَّةِ؛ لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِالشَّرِّ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (قَالَتْ: لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ) أَيْ: لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِجَوَازِ انْتِقَالِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ مَنْزِلِهَا بِغَيْرِ سَبَبٍ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: إِنْ كَانَ بِكِ شَرٌّ) أَيْ: إِنْ كَانَ عِنْدَكِ أَنَّ سَبَبَ خُرُوجِ فَاطِمَةَ مَا وَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَقَارِبِ زَوْجِهَا مِنَ الشَّرِّ فَهَذَا السَّبَبُ مَوْجُودٌ وَلِذَلِكَ قَالَ: فَحَسْبُكِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنَ الشَّرِّ، وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْ مَرْوَانَ إِلَى الرُّجُوعِ عَنْ رَدِّ خَبَرِ فَاطِمَةَ، فَقَدْ كَانَ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ طَلَّقَ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَلْبَتَّةَ وَأُمُّهَا حُزْمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، فَأَمَرَتْهَا خَالَتُهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ بِالِانْتِقَالِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ مَرْوَانُ فَأَنْكَرَ، فَذَكَرَتْ أَنَّ خَالَتَهَا أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَفْتَاهَا بِذَلِكَ، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ، قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ إِلَى فَاطِمَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ دُونَ مَا فِي أَوَّلِهِ، وَزَادَ: فَقَالَ مَرْوَانُ: لَمْ يُسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا مِنِ امْرَأَةٍ، فَسَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا عَلَيْهَا النَّاسَ وَسَيَأْتِي لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ، فَكَأَنَّ مَرْوَانَ أَنْكَرَ الْخُرُوجَ مُطْلَقًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْجَوَازِ بِشَرْطِ وُجُودِ عَارِضٍ يَقْتَضِي جَوَازَ خُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِ الطَّلَاقِ، كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) كَذَا فِي الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلَتْ لَنَا مِنْ طَرِيقِ الْفَرَبْرِيِّ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ بُنْدَارٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدٍ غَيْرَ مَنْسُوبٍ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، كَذَا