نَسَبَهُ أَبُو مَسْعُودٍ. قُلْتُ: وَلَمْ أَرَهُ غَيْرَ مَنْسُوبٍ إِلَّا فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، عَنِ الْبُخَارِيِّ، وَكَأَنَّهُ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي أَطْرَافِ خَلَفٍ وَمِنْهَا نَقْلُ الْمِزِّيِّ، وَلَمْ أُنَبِّهْ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فِي الْمُقَدِّمَةِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا اتَّصَلَ لَنَا مِنَ الرِّوَايَاتِ إِلَى الْفَرَبْرِيِّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا لِفَاطِمَةَ؟ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ يَعْنِي فِي قَوْلِهَا: لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: مَا لِفَاطِمَةَ؟ خَيْرٌ أَنْ تَذْكُرَ هَذَا كَأَنَّهَا تُشِيرُ إِلَى أَنَّ سَبَبَ الْإِذْنِ فِي انْتِقَالِ فَاطِمَةَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَقُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ طَلُقَتْ، فَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا، فَقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ لَسُنَّةً وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ.
قَوْلُهُ: (سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ.
قَوْلُهُ: (قَالَ عُرْوَةُ) أَيِ: ابْنُ الزُّبَيْرِ (لِعَائِشَةَ: أَلَمْ تَرَيْ إِلَى فُلَانَةَ بِنْتِ الْحَكَمِ) نَسَبَهَا إِلَى جَدِّهَا، وَهِيَ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ كَمَا فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى.
قَوْلُهُ: (فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا صَنَعَتْ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: مَا صَنَعَ أَيْ: زَوْجُهَا فِي تَمْكِينِهَا مِنْ ذَلِكَ، أَوْ: أَبُوهَا فِي مُوَافَقَتِهَا، وَلِهَذَا أَرْسَلَتْ عَائِشَةَ إِلَى مَرْوَانَ عَمِّهَا وَهُوَ الْأَمِيرُ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى مَنْزِلِ الطَّلَاقِ.
قَوْلُهُ: (أَلَمْ تَسْمَعِي قَوْلَ فَاطِمَةَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ قَالَ هُوَ عُرْوَةُ.
قَوْلُهُ: (قَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ لَهَا خَيْرٌ فِي ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: تَزَوَّجَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ فَطَلَّقَهَا وَأَخْرَجَهَا، فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتُهَا، فَقَالَتْ: مَا لِفَاطِمَةَ خَيْرٌ فِي أَنْ تَذْكُرَ هَذَا الْحَدِيثَ كَأَنَّهَا تُشِيرُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ، وَأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا عَلَيْهِ فِيهِ غَضَاضَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَزَادَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ: عَابَتْ عَائِشَةُ أَشَدَّ الْعَيْبِ، وَقَالَتْ: إِنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحْشٍ، فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا، فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ: لَقَدْ عَابَتْ وَزَادَ: يَعْنِي فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَقَوْلُهُ: وَحْشٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ، أَيْ: خَالٍ لَا أَنِيسَ بِهِ، وَلِرِوَايَةِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ هَذِهِ شَاهِدٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، لَكِنْ قَالَ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلَاثًا، فَأَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ، فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ وَقَدْ أَخَذَ الْبُخَارِيُّ التَّرْجَمَةَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ، فَرَتَّبَ الْجَوَازَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا خَشْيَةَ الِاقْتِحَامِ عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ مِنْهَا عَلَى أَهْلِ مُطَلِّقِهَا فُحْشٌ مِنَ الْقَوْلِ، وَلَمْ يَرَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ مُعَارَضَةً لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِمَا مَعًا فِي شَأْنِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّرْجَمَةِ عِلَّتَيْنِ وَذَكَرَ فِي الْبَابِ وَاحِدَةً فَقَطْ، وَكَأَنَّهُ أَوْمَأَ إِلَى الْأُخْرَى، إِمَّا لِوُرُودِهَا عَلَى غَيْرِ شَرْطِهِ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْخَوْفَ عَلَيْهَا إِذَا اقْتَضَى خُرُوجَهَا، فَمِثْلُهُ الْخَوْفُ مِنْهَا، بَلْ لَعَلَّهُ أَوْلَى فِي جَوَازِ إِخْرَاجِهَا، فَلَمَّا صَحَّ عِنْدَهُ مَعْنَى الْعِلَّةِ الْأُخْرَى ضَمَّنَهَا التَّرْجَمَةَ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الِاقْتِصَارَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عَلَى بَعْضِهِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ بَعْضٍ آخَرَ إِذَا صَحَّ طَرِيقُهُ، فَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ شَكْوَاهَا مَا تَقَدَّمَ مِنِ اسْتِقْلَالِ النَّفَقَةِ، وَأَنَّهُ اتَّفَقَ أَنَّهُ بَدَا مِنْهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ شَرٌّ لِأَصْهَارِهَا وَاطَّلَعَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِهِمْ وَخَشِيَ عَلَيْهَا إِنِ اسْتَمَرَّتْ هُنَاكَ أَنْ يَتْرُكُوهَا بِغَيْرِ أَنِيسٍ فَأُمِرَتْ بِالِانْتِقَالِ. قُلْتُ: وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِالثَّانِي إِلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِ مَرْوَانَ، لِعَائِشَةَ: إِنْ كَانَ بِكِ شَرٌّ فَإِنَّهُ يُومِئُ إِلَى أَنَّ السَّبَبَ فِي تَرْكِ أَمْرِهَا بِمُلَازَمَةِ السَّكَنِ مَا وَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَقَارِبِ زَوْجِهَا مِنَ الشَّرِّ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: سِيَاقُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ سَبَبَ الْحُكْمِ أَنَّهَا اخْتَلَفَتْ مَعَ الْوَكِيلِ بِسَبَبِ اسْتِقْلَالِهَا مَا أَعْطَاهَا، وَأَنَّهَا لَمَّا قَالَ لَهَا الْوَكِيلُ: لَا نَفَقَةَ لَكِ، سَأَلَتِ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَجَابَهَا بِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى، فَاقْتَضَى أَنَّ التَّعْلِيلَ إِنَّمَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute