للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلَى كُلِّ مُتَوَفًّى عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا اتِّفَاقًا وَبِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْبَائِنَ يُمْكِنُهَا الْعَوْدُ إِلَى الزَّوْجِ بِعَيْنِهِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُلَاعَنَةَ لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَرْكَهُ لِفِقْدَانِ الزَّوْجِ بِعَيْنِهِ لَا لِفِقْدَانِ الزَّوْجِيَّةِ.

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْإِحْدَادِ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ مِنْ قَرِيبٍ وَنَحْوِهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَمَا دُونَهَا، وَتَحْرِيمُهُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا، وَكَأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ أُبِيحَ لِأَجْلِ حَظِّ النَّفْسِ وَمُرَاعَاتِهَا وَغَلَبَةِ الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ، وَلِهَذَا تَنَاوَلَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الطِّيبَ لِتَخْرُجَا عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْدَادِ، وَصَرَّحَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَنَّهَا لَمْ تَتَطَيَّبْ لِحَاجَةٍ؛ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ آثَارَ الْحُزْنِ بَاقِيَةٌ عِنْدَهَا، لَكِنَّهَا لَمْ يَسَعْهَا إِلَّا امْتِثَالُ الْأَمْرِ.

قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتَكَامَلُ تَخْلِيقُهُ وَتُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدَ مُضِيِّ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِنُقْصَانِ الْأَهِلَّةِ فَجُبِرَ الْكَسْرُ إِلَى الْعَقْدِ عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ، وَذَكَرَ الْعَشْرَ مُؤَنَّثًا لِإِرَادَةِ اللَّيَالِي، وَالْمُرَادُ مَعَ أَيَّامِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَلَا تَحِلُّ حَتَّى تَدْخُلَ اللَّيْلَةَ الْحَادِيَةَ عَشَرَ.

وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَبَعْضِ السَّلَفِ: تَنْقَضِي بِمُضِيِّ اللَّيَالِي الْعَشْرِ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَشْهُرِ وَتَحِلُّ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، وَاسْتُثْنِيَتِ الْحَامِلُ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُ حَالِهَا قَبْلُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ قَوِيِّ الْإِسْنَادِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ الْيَوْمَ الثَّالِثَ مِنْ قَتْلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: لَا تُحِدِّي بَعْدَ يَوْمِكِ هَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَلِابْنِ حِبَّانَ، وَالطَّحَاوِيِّ: لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ أَتَانَا النَّبِيُّ فَقَالَ: تَسَلَّبِي ثَلَاثًا، ثُمَّ اصْنَعِي مَا شِئْتِ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بَعْدَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ كَانَتْ زَوْجَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِالِاتِّفَاقِ وَهِيَ وَالِدَةُ أَوْلَادِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدٍ، وَعَوْنٍ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ: بَلْ ظَاهِرُ النَّهْيِ أَنَّ الْإِحْدَادَ لَا يَجُوزُ، وَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ جَعْفَرًا قُتِلَ شَهِيدًا، وَالشُّهَدَاءُ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ. قَالَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي حَقِّ غَيْرِ جَعْفَرٍ مِنَ الشُّهَدَاءِ مِمَّنْ قُطِعَ بِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ كَمَا قُطِعَ لِجَعْفَرٍ - كَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمِّهِ وَكَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَالِدِ جَابِرٍ - اهـ كَلَامُ شَيْخِنَا مُلَخَّصًا.

وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَأَنَّ الْإِحْدَادَ كَانَ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ فِي بَعْضِ عِدَّتِهَا فِي وَقْتٍ، ثُمَّ أُمِرَتْ بِالْإِحْدَادِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، ثُمَّ سَاقَ أَحَادِيثَ الْبَابِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنَ النَّسْخِ. لَكِنَّهُ يُكْثِرُ مِنِ ادِّعَاءِ النَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ فَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ، وَيَحْتَمِلُ وَرَاءَ ذَلِكَ أَجْوِبَةً أُخْرَى:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْإِحْدَادِ الْمُقَيَّدِ بِالثَّلَاثِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْإِحْدَادِ الْمَعْرُوفِ فَعَلَتْهُ أَسْمَاءُ مُبَالَغَةً فِي حُزْنِهَا عَلَى جَعْفَرٍ فَنَهَاهَا عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ الثَّلَاثِ.

ثَانِيهَا: أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا فَوَضَعَتْ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَانْقَضَتِ الْعِدَّةُ، فَنَهَاهَا بَعْدَهَا عَنِ الْإِحْدَادِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي عِنْدَ الثَّلَاثِ.

ثَالِثُهَا: لَعَلَّهُ كَانَ أَبَانَهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ اسْتِشْهَادِهِ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا إِحْدَادٌ.

رَابِعُهَا: أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَعَلَّ الْحَدِيثَ بِالِانْقِطَاعِ، فَقَالَ: لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِدَّادٍ مِنْ أَسْمَاءَ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ مَدْفُوعٌ، فَقَدْ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ، لَكِنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْإِحْدَادِ، قُلْتُ: وَهُوَ مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّهُ يُعِلُّهُ بِالشُّذُوذِ. وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ حَنْظَلَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: لَا إِحْدَادَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَقَالَ: هَذَا مُنْكَرٌ، وَالْمَعْرُوفُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رَأْيِهِ. اهـ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ الْمُعْتَدَّةِ فَلَا نَكَارَةَ فِيهِ، بِخِلَافِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَغْرَبَ