ابْنُ حِبَّانَ فَسَاقَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ: تَسَلَّمِي بِالْمِيمِ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ، وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَا مَفْهُومَ لِتَقْيِيدِهَا بِالثَّلَاثِ بَلِ الْحِكْمَةُ فِيهِ كَوْنُ الْقَلَقِ يَكُونُ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ أَشَدَّ فَلِذَلِكَ قَيَّدَهَا بِالثَّلَاثِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ، فَصَحَّفَ الْكَلِمَةَ وَتَكَلَّفَ لِتَأْوِيلِهَا. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِ: فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ أَتَسَلَّبَ ثَلَاثًا فَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ.
قَوْلُهُ: (قَالَتْ زَيْنَبُ: وَسَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ، وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ: سَمِعْتُ أُمِّي أُمَّ سَلَمَةَ، زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ: بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ.
قَوْلُهُ: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ) زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ: مِنْ قُرَيْشٍ وَسَمَّاهَا ابْنُ وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ، وَأَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِهِ مِنْ طَرِيقِ عَاتِكَةَ بِنْتِ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَخْرَجَهُ ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ أَبِي الْأَسْوَدَ النَّوْفَلِي، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ عَاتِكَةَ بِنْتَ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَتَتْ تَسْتَفْتِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَكَانَتْ تَحْتَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، وَهِيَ تُحِدُّ وَتَشْتَكِي عَيْنَهَا الْحَدِيثَ، وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ هَارُونَ الرَّمْلِيِّ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، لَكِنَّهُ قَالَ: بِنْتُ نُعَيْمٍ وَلَمْ يُسَمِّهَا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا عَنْ عَاتِكَةَ بِنْتِ نُعَيْمٍ - أُخْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ - جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنَتَهَا تُوُفِّيَ زَوْجُهَا الْحَدِيثَ. وَعَبْدُ للَّهِ بْنُ عُقْبَةَ هُوَ ابْنُ لَهِيعَةَ نَسَبَهُ لِجَدِّهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ أَبُو الْأَسْوَدِ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلِابْنِ لَهِيعَةَ طَرِيقَانِ، وَلَمْ تُسَمَّ الْبِنْتُ الَّتِي تُوُفِّيَ زَوْجُهَا، وَلَمْ تُنْسَبْ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمُغِيرَةُ الْمَخْزُومِيُّ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ أَبِيهِ، وَقَدْ أَغْفَلَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ، وَكَذَا أَبُو مُوسَى فِي الذَّيْلِ عَلَيْهِ، وَكَذَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، لَكِنِ اسْتَدْرَكَهُ ابْنُ فَتَحُونَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ؛ ضَمُّ النُّونِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ هِيَ الْمُشْتَكِيَةُ، وَفَتْحُهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي اشْتَكَتْ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ وَرَجَّحَ هَذَا، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: عَيْنَاهَا يَعْنِي وَهُوَ يُرَجِّحُ الضَّمَّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي مُسْلِمٍ، وَعَلَى الضَّمِّ اقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الْأَرْجَحُ، وَالَّذِي رَجَّحَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُنْذِرِيُّ.
قَوْلُهُ: (أَفَنَكْحُلُهَا) بِضَمِّ الْحَاءِ.
قَوْلُهُ: (لَا، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا) فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ فَقَالَ: لَا تَكْتَحِلُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الِاكْتِحَالِ عَلَى الْحَادَّةِ سَوَاءٌ احْتَاجَتْ إِلَيْهِ أَمْ لَا. وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ: اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَحْتَجْ إِلَيْهِ لَا يَحِلُّ، وَإِذَا احْتَاجَتْ لَمْ يَجُزْ بِالنَّهَارِ، وَيَجُوزُ بِاللَّيْلِ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ، فَإِنْ فَعَلَتْ مَسَحَتْهُ بِالنَّهَارِ.
قَالَ: وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْخَوْفُ عَلَى عَيْنِهَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ الْمَذْكُورِ: فَخَشُوا عَلَى عَيْنِهَا وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْدَهْ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا: رَمِدَتْ رَمَدًا شَدِيدًا، وَقَدْ خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهَا قَالَتْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ: إِنَّهَا تَشْتَكِي عَيْنَهَا فَوْقَ مَا يُظَنُّ، فَقَالَ: لَا وَفِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَخْرَجَهَا ابْنُ حَزْمٍ إِنِّي أَخْشَى أَنْ تَنْفَقِئَ عَيْنُهَا، قَالَ: لَا، وَإِنِ انْفَقَأَتْ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ أَفْتَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِمَنْعِهِ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ يَجُوزُ إِذَا خَافَتْ عَلَى عَيْنِهَا بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ مُقَيَّدًا بِاللَّيْلِ، وَأَجَابُوا عَنْ قِصَّةِ الْمَرْأَةِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ لَهَا الْبُرْءُ بِغَيْرِ الْكُحْلِ كَالتَّضْمِيدِ بِالصَّبْرِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا أَحَدَّتْ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ تَكْتَحِلْ حَتَّى كَادَتْ عَيْنَاهَا تَزِيغَانِ فَكَانَتْ تَقْطُرُ فِيهِمَا الصَّبْرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ النَّهْيَ عَلَى كُحْلٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ مَا يَقْتَضِي التَّزَيُّنَ بِهِ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute