للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَحْضَ التَّدَاوِي قَدْ يَحْصُلُ بِمَا لَا زِينَةَ فِيهِ، فَلَمْ يَنْحَصِرْ فِيمَا فِيهِ زِينَةٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ، وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.

قَوْلُهُ: (إِنَّمَا هيَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) كَذَا فِي الْأَصْلِ بِالنَّصْبِ عَلَى حِكَايَةِ لَفْظِ الْقُرْآنِ، وَلِبَعْضِهِمْ بِالرَّفْعِ وَهُوَ وَاضِحٌ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَقْلِيلِ الْمُدَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَتَهْوِينُ الصَّبْرِ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ: وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ، وَفِي التَّقْيِيدِ بِالْجَاهِلِيَّةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْإِسْلَامِ صَارَ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا وُصِفَ مِنَ الصَّنِيع، لَكِنَّ التَّقْدِيرَ بِالْحَوْلِ اسْتَمَرَّ فِي الْإِسْلَامِ بِنَصِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ﴾ ثُمَّ نُسِخَتْ بِالْآيَةِ الَّتِي قَبْلُ وَهِيَ: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾

سُئِلَ مَالِكٌ: مَا تَفْتَضُّ بِهِ؟ قَالَ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا.

قَوْلُهُ: (قَالَ حُمَيْدٌ) هُوَ ابْنُ نَافِعٍ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَبْدُوءِ بِهِ.

قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ) هِيَ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ (وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ؟) أَيْ: بَيِّنِي لِي الْمُرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي خُوطِبَتْ بِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ.

قَوْلُهُ: (كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا إِلَخْ) هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ تُسْنِدْهُ زَيْنَبُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مَرْفُوعًا كُلُّهُ لَكِنَّهُ بِاخْتِصَارٍ وَلَفْظُهُ: فَقَالَ: لَا تَكْتَحِلُ، قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي شَرِّ أَحْلَاسِهَا - أَوْ شَرِّ بَيْتِهَا - فَإِذَا كَانَ حَوْلٌ فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعْرَةٍ، فَلَا حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي إِدْرَاجَ رِوَايَةِ الْبَابِ؛ لِأَنَّ شُعْبَةَ مِنْ أَحْفَظِ النَّاسِ فَلَا يَقْضِي عَلَى رِوَايَتِهِ بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ بِالِ حْتِمَالِ، وَلَعَلَّ الْمَوْقُوفَ مَا فِي رِوَايَةِ الْبَابِ مِنَ الزِّيَادَةِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ. وَالْحِفْشُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ فَسَّرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ: الْبَيْتُ الصَّغِيرُ، وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ: الْحِفْشُ: الْخُصُّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْحِفْشُ: الْبَيْتُ الذَّلِيلُ، الشَّعِثُ الْبِنَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ شَيْءٌ مِنْ خُوصٍ يُشْبِهُ الْقُفَّةَ تَجْمَعُ فِيهِ الْمُعْتَدَّةُ مَتَاعَهَا مِنْ غَزْلٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَظَاهِرُ سِيَاقِ الْقِصَّةِ يَأْبَى هَذَا خُصُوصًا رِوَايَةَ شُعْبَةَ، وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَّائِيَّ: عَمَدَتْ إِلَى شَرِّ بَيْتٍ لَهَا فَجَلَسَتْ فِيهِ وَلَعَلَّ أَصْلَ الْحِفْش مَا ذَكَرَ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْبَيْتِ الصَّغِيرِ الْحَقِيرِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ، وَالْأَحْلَاسُ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ بِمُهْمَلَتَيْنِ جَمْعُ حِلْسٍ بِكَسْرٍ ثُمَّ سُكُونٍ وَهُوَ الثَّوْبُ، أَوِ الْكِسَاءُ الرَّقِيقُ، يَكُونُ تَحْتَ الْبَرْذعَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الرَّاوِيَ شَكَّ فِي أَيِّ اللَّفْظَيْنِ وَقَعَ وَصْفُ ثِيَابِهَا أَوْ وَصْفُ مَكَانِهَا، وَقَدْ ذُكِرَا مَعًا فِي رِوَايَةِ الْبَابِ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى يَمُرَّ بِهَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: لَهَا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ) بِالتَّنْوِينِ (حِمَارٍ) بِالْجَرِّ وَالتَّنْوِينِ عَلَى الْبَدَلِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ، وَإِطْلَاقُ الدَّابَّةِ عَلَى مَا ذُكِرَ هُوَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الْعُرْفِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (فَتَفْتَضُّ) بِفَاءٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ ثَقِيلَةٍ، فَسَّرَهُ مَالِكٌ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا، وَأَصْلُ الْفَضِّ: الْكَسْرُ، أَيْ: تَكْسِرُ مَا كَانَتْ فِيهِ، وَتَخْرُجُ مِنْهُ بِمَا تَفْعَلُهُ بِالدَّابَّةِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: تُقْبَصُ بِقَافِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ، وَهِيَ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ، وَالْقَبْصُ: الْأَخْذُ بِأَطْرَافِ الْأَنَامِلِ، قَالَ الْأَصْبِهَانِيُّ، وَابْنُ الْأَثِيرِ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِسْرَاعِ، أَيْ: تَذْهَبُ بِعَدْوٍ وَسُرْعَةٍ إِلَى مَنْزِلِ أَبَوَيْهَا؟ لِكَثْرَةِ حَيَائِهَا لِقُبْحِ مَنْظَرِهَا، أَوْ لِشِدَّةِ شَوْقِهَا إِلَى التَّزْوِيجِ لِبُعْدِ عَهْدِهَا بِهِ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهَا: بِهِ سَبَبِيَّةٌ، وَالضَّبْطُ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ.

قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سَأَلْتُ الْحِجَازِيِّينَ عَنِ الِافْتِضَاضِ، فَذَكَرُوا أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ كَانَتْ لَا تَمَسُّ مَاءً، وَلَا تُقَلِّمُ ظُفْرًا، وَلَا تُزِيلُ شَعْرًا، ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِأَقْبَحِ مَنْظَرٍ، ثُمَّ تَفْتَضُّ، أَيْ: تَكْسِرُ مَا هِيَ فِيهِ مِنَ الْعِدَّةِ بِطَائِرٍ تَمْسَحُ بِهِ قُبُلَهَا، وَتَنْبِذُهُ، فَلَا يَكَادُ يَعِيشُ بَعْدَمَا تَفْتَضُّ بِهِ.

قُلْتُ: وَهَذَا لَا يُخَالِفُ تَفْسِيرَ مَالِكٍ، لَكِنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْجِلْدَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِلْدُ الْقُبُلِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَمْسَحُ بِيَدِهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَعَلَى ظَهْرِهِ،