وَيُونُسَ مِنْ طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَصَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الرِّقَاقِ، لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ رَوَاهُ عَنْ سَعِيدٍ فَقَالَ: عَنْ يُونُسَ، عَنْ قَتَادَةَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ أَوَّلًا عَنْ قَتَادَةَ بِوَاسِطَةٍ ثُمَّ حَمَلَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ) هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: فَقَالَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَاصِمِ بْنِ حَدْرَةَ، فَقَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى خِوَانٍ قَطُّ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ كَانَ سَعِيدُ بْنُ بِشْرٍ حَفِظَهُ فَهُوَ حَدِيثٌ آخَرُ لِقَتَادَةَ؛ لِاخْتِلَافِ مَسَاقِ الْخَبَرَيْنِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى سُكُرُّجَةٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَالْكَافِ وَالرَّاءِ الثَّقِيلَةِ بَعْدَهَا جِيمٌ مَفْتُوحَةٌ، قَالَ عِيَاضٌ: كَذَا قَيَّدْنَاهُ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ مَكِّيٍّ أَنَّهُ صَوَّبَ فَتْحَ الرَّاءِ، قُلْتُ: وَبِهَذَا جَزَمَ التُّورِبِشْتِيُّ وَزَادَ: لِأَنَّهُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَالرَّاءُ فِي الْأَصْلِ مَفْتُوحَةٌ وَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الْأَعْجَمِيَّ إِذَا نَطَقَتْ بِهِ الْعَرَبُ لَمْ تُبْقِهِ عَلَى أَصْلِهِ غَالِبًا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَهُ لَنَا شَيْخُنَا أَبُو مَنْصُورٍ اللُّغَوِيُّ - يَعْنِي الْجَوَالِيقِيَّ - بِفَتْحِ الرَّاءِ، قَالَ: وَكَانَ بَعْضُ أَهْلُ اللُّغَةِ يَقُولُ: الصَّوَابُ أُسْكُرُّجَةُ وَهِيَ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ، وَتَرْجَمَتُهَا مُقَرِّبُ الْخِلِّ، وَقَدْ تَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: فَإِنْ حَقَّرْتَ حَذَفْتَ الْجِيمَ وَالرَّاءَ وَقُلْتَ أَسْكَرَ، وَيَجُوزُ إِشْبَاعُ الْكَافِ حَتَّى تَزِيدَ يَاءً، وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ فِي بَرَّيْهِمِ بَرَّيْهِيمُ أَنْ يُقَالَ فِي سُكَيْرَجَةٍ سُكَيْرِيجَةٌ، وَالَّذِي سَبَقَ أَوْلَى.
قَالَ ابْنُ مَكِّيٍّ: وَهِيَ صِحَافٌ صِغَارٌ يُؤْكَلُ فِيهَا، وَمِنْهَا الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، فَالْكَبِيرَةُ تَحْمِلُ قَدْرَ سِتِّ أَوَاقٍ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ ثُلُثَيْ أُوقِيَّةٍ إِلَى أُوقِيَّةٍ، قَالَ: وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَجَمَ كَانَتْ تَسْتَعْمِلُهُ فِي الْكَوَامِيخِ وَالْجَوَارِشِ لِلتَّشَهِّي وَالْهَضْمِ، وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ: السُّكُرُّجَةُ قَصْعَةٌ مَدْهُونَةٌ، وَنَقَلَ ابْنُ قُرْقُولٍ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهَا قَصْعَةٌ ذَاتُ قَوَائِمَ مِنْ عُودٍ كَمَائِدَةٍ صَغِيرَةٍ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: تَرْكُهُ الْأَكْلَ فِي السُّكُرُّجَةِ؛ إِمَّا لِكَوْنِهَا لَمْ تَكُنْ تُصْنَعُ عِنْدَهُمْ إِذْ ذَاكَ، أَوِ اسْتِصْغَارًا لَهَا؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ لِأَنَّهَا - كَمَا تَقَدَّمَ - كَانَتْ تُعَدُّ لِوَضْعِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُعِينُ عَلَى الْهَضْمِ، وَلَمْ يَكُونُوا غَالِبًا يَشْبَعُونَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَاجَةٌ بِالْهَضْمِ.
قَوْلُهُ: (قِيلَ لِقَتَادَةَ) الْقَائِلُ هُوَ الرَّاوِي.
قَوْلُهُ: (فَعَلَامَ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي بِالْإِشْبَاعِ.
قَوْلُهُ: (يَأْكُلُونَ) كَذَا عَدَلَ عَنِ الْوَاحِدِ إِلَى الْجَمْعِ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا بِالنَّبِيِّ ﷺ وَحْدَهُ، بَلْ كَانَ أَصْحَابُهُ يَقْتَفُونَ أَثَرَهُ وَيَقْتَدُونَ بِفِعْلِهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى السُّفَرِ) جَمْعُ سُفْرَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ الطَّوِيلِ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَنَّ أَصْلَهَا الطَّعَامُ الَّذِي يَتَّخِذُهُ الْمُسَافِرُ، وَأَكْثَرُ مَا يُصْنَعُ فِي جِلْدٍ، فَنُقِلَ اسْمُ الطَّعَامِ إِلَى مَا يُوضَعُ فِيهِ، كَمَا سُمِّيَتِ الْمَزَادَةُ رِوَايَةً.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ فَسَاقَهُ مُخْتَصَرًا، وَقَدْ سَاقَهُ فِي غَزْوَةَ خَيْبَرَ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي أَوْرَدَهُ هُنَا بِعَيْنِهِ أَتَمَّ مِنْ سِيَاقِهِ هُنَا، وَلَفْظُهُ: أَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةَ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، وَزَادَ فِيهِ أَيْضًا - بَيْنَ قَوْلِهِ: إِلَى وَلِيمَتِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: أَمَرَ بِالْأَنْطَاعِ -: وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ أَمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ - بَعْدَ قَوْلِهِ: وَالسَّمْنُ -: فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَمْرٌو، عَنْ أَنَسٍ: بَنَى بِهَا النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطْعٍ) هُوَ أَيْضًا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْمَغَازِي مُطَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِتَمَامِهِ.
تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا.
قَوْلُهُ: (هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) هِشَامُ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ حَمَلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ فِيهِ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ فَقَطْ، وَتَقَدَّمَ أَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ