للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ كِلَاهُمَا عَنْ أَسْمَاءَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هِشَامًا حَمَلَهُ عَنْ أَبِيهِ وَعَنِ امْرَأَتِهِ وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، وَلَعَلَّ عِنْدَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْآخَرِ؛ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ لَيْسَ فِيهَا قَوْلُهُ: يُعَيِّرُونَ وَهُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْعَارِ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ، وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الشَّامِ عَسْكَرُ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ حَيْثُ كَانُوا يُقَاتِلُونَهُ مِنْ قِبَلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، أَوْ عَسْكَرُ الْحُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ.

قَوْلُهُ: (يُعَيِّرُونَكَ بِالنِّطَاقَيْنِ) قِيلَ: الْأَفْصَحُ أَنْ يُعَدَّى التَّعْيِيرُ بِنَفْسِهِ، تَقُولُ: عَيَّرْتُهُ كَذَا، وَقَدْ سُمِعَ هَكَذَا مِثْلُ مَا هُنَا.

قَوْلُهُ: (وَهَلْ تَدْرِي مَا كَانَ النِّطَاقَيْنِ؟) كَذَا أَوْرَدَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ الصَّوَابَ النِّطَاقَانِ بِالرَّفْعِ، وَأَنَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي النُّسَخِ إِلَّا بِالرَّفْعِ، فَإِنْ ثَبَتَ رِوَايَةً بِغَيْرِ الْأَلِفِ أَمْكَنَ تَوْجِيهُهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ فِي الْأَصْلِ: وَهَلْ تَدْرِي مَا كَانَ شَأْنُ النِّطَاقَيْنِ فَسَقَطَ لَفْظُ شَأْنٍ أَوْ نَحْوُهُ.

قَوْلُهُ: (إِنَّمَا كَانَ نِطَاقِي شَقَقْتُهُ نِصْفَيْنِ فَأَوْكَيْتُ) تَقَدَّمَ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ هُوَ الَّذِي أَمَرَهَا بِذَلِكَ لَمَّا هَاجَرَ مَعَ النَّبِيِّ إِلَى الْمَدِينَةِ.

قَوْلُهُ: (يَقُولُ: إِيهًا) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِبَعْضِهِمْ: ابْنُهَا بِمُوَحَّدَةٍ وَنُونٍ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَقَدْ وُجِّهَ بِأَنَّهُ مَقُولُ الرَّاوِي، وَالضَّمِيرُ لِأَسْمَاءَ، وَابْنُهَا هُوَ ابْنُ الزُّبَي رِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ التِّينِ فَقَالَ: هُوَ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ: ابْنُهَا، وَذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ بِلَفْظِ: إِيهًا اهـ.

وَقَوْلُهُ: (وَالْإِلَهُ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ: إِيهًا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِيهًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِالتَّنْوِينِ مَعْنَاهَا الِاعْتِرَافُ بِمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ وَالتَّقْرِيرُ لَهُ، تَقُولُ الْعَرَبُ فِي اسْتِدْعَاءِ الْقَوْلِ مِنَ الْإِنْسَانِ: إِيهًا وَإِيهْ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ إِذَا اسْتَزَدْتَ مِنَ الْكَلَامِ قُلْتَ: إِيهْ، وَإِذَا أَمَرْتَ بِقَطْعِهِ قُلْتَ: إِيهًا. اهـ. وَلَيْسَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَ ثَعْلَبٍ قَدْ جَزَمَ بِأَنَّ إِيهًا كَلِمَةُ اسْتِزَادَةٍ، وَارْتَضَاهُ وَحَرَّرَهُ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: إِيهًا بِالتَّنْوِينِ، لِلِاسْتِزَادَةِ، وَبِغَيْرِ التَّنْوِينِ لِقَطْعِ الْكَلَامِ، وَقَدْ تَأْتِي أَيْضًا بِمَعْنَى كَيْفَ.

قَوْلُهُ: (تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا) شَكَاةٌ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مَعْنَاهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْقَوْلِ الْقَبِيحِ، وَلِبَعْضِهِمْ بِكَسْرِ الشِّينِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَهُوَ مَصْدَرُ شَكَا يَشْكُو شِكَايَةً وَشَكْوَى وَشَكَاةً، وَظَاهِرٌ، أَيْ: زَائِلٌ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَيِ ارْتَفَعَ عَنْكَ فَلَمْ يَعْلَقْ بِكَ، وَالظُّهُورُ يُطْلَقُ عَلَى الصُّعُودِ وَالِارْتِفَاعِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: فَمَا ﴿اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ﴾ أَيْ: يَعْلُوا عَلَيْهِ مِنْهُ، ﴿وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ قَالَ: وَتَمَثَّلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمِصْرَاعِ بَيْتٍ لِأَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيِّ وَأَوَّلُهُ:

وَعَيَّرَهَا الْوَاشُونَ أَنِّي أُحِبُّهَا

يَعْنِي لَا بَأْسَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَلَا عَارَ فِيهِ، قَالَ مُغَلْطَايْ: وَبَعْدَ بَيْتِ الْهُذَلِيِّ: فَإِنْ أَعْتَذِرْ مِنْهَا فَإِنِّي مُكَذَّبٌ وَإِنْ تَعْتَذِرْ يُرْدَدْ عَلَيْكَ اعْتِذَارُهَا وَأَوَّلُ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ:

هَلِ الدَّهْرُ إِلَّا لَيْلَةٌ وَنَهَارُهَا … وَإِلَّا طُلُوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ غِيَارُهَا

أَبَى الْقَلْبُ إِلَّا أُمَّ عَمْروٍ فَأَصْبَحَتْ … تُحْرِّقُ نَارِي بِالشَّكَاةِ وَنَارُهَا

وَبَعْدَهُ

وَعَيَّرَهَا الْوَاشُونَ أَنِّي أُحِبُّهَا

الْبَيْتَ، وَهِيَ قَصِيدَةٌ تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِينَ بَيْتًا. وَتَرَدَّدَ ابْنُ قُتَيْبَةَ هَلْ أَنْشَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ هَذَا الْمِصْرَاعَ أَوْ أَنْشَدَهُ مُتَمَثِّلًا بِهِ؟ وَالَّذِي جَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ الثَّانِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ هَذَا مَثَلٌ مَشْهُورٌ، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُكْثِرُ التَّمَثُّلَ بِالشِّعْرِ، وَقَلَّمَا أَنْشَأَهُ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَكْلِ خَالِدٍ الضَّبَّ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ بَعْدُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ. وَقَوْلُهُ: عَلَى مَائِدَتِهِ أَيِ: الشَّيْءُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى الْأَرْضِ؛ صِيَانَةً لِلطَّعَامِ كَالْمِنْدِيلِ وَالطَّبَقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا حَدِيثَ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ مَا أَكَلَ عَلَى الْخِوَانِ؛ لِأَنَّ