للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنِ الْبُلُوغِ فَإِنْ أُخِّرَتْ عَنِ الْبُلُوغِ سَقَطَتْ عَمَّنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ، لَكِنْ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَعُقَّ عَنْ نَفْسِهِ فَعَلَ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي لَمْ يُعَقَّ عَنِّي لَعَقَقْتُ عَنْ نَفْسِي. وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ. وَنَقَلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يُعَقُّ عَنْ كَبِيرٍ، وَلَيْسَ هَذَا نَصًّا فِي مَنْعِ أَنْ يَعُقَّ الشَّخْصُ عَنْ نَفْسِهِ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ لَا يَعُقَّ عَنْ غَيْرِهِ إِذَا كَبِرَ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ لَا يَثْبُتُ. وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ - وَهُوَ بِمُهْمَلَاتٍ - عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ الْبَزَّارُ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ اهـ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: إنَّهُمْ تَرَكُوا حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَعَلَّ إِسْمَاعِيلَ سَرَقَهُ مِنْهُ.

ثَانِيهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْمُسْتَمْلِي، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، وَدَاوُدَ بْنِ الْمُحبِّرِ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمَثْنَى، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَدَاوُدُ ضَعِيفٌ لَكِنَّ الْهَيْثَمَ ثِقَةٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ، فَالْحَدِيثُ قَوِيُّ الْإِسْنَادِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجِ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَسْعُودٍ كِلَاهُمَا عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ وَحْدَهُ بِهِ، فَلَوْلَا مَا فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى مِنَ الْمَقَالِ لَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا، لَكِنْ قَدْ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَا أُخْرِجُ حَدِيثَهُ، وَقَالَ السَّاجِيُّ: فِيهِ ضَعْفٌ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ رَوَى مَنَاكِيرَ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَى أَكْثَرِ حَدِيثِهِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ: رُبَّمَا أَخْطَأَ، وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا، فَهَذَا مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ إِذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمْ بِالْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً، وَقَدْ مَشَى الْحَافِظُ الضِّيَاءُ عَلَى ظَاهِرِ الْإِسْنَادِ فَأَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَارَةِ مِمَّا لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ كَمَا قَالُوا فِي تَضْحِيَتِهِ عَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِهِ، وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ مَنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ أَجْزَأْتَهُ أُضْحِيَتُهُ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَالْحَسَنِ يُجْزِئُ عَنِ الْغُلَامِ الْأُضْحِيَّةُ مِنَ الْعَقِيقَةِ وَقَوْلُهُ يَوْمَ السَّابِعِ أَيْ مِنْ يَوْمِ الْوِلَادَةِ، وَهَلْ يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ نَصَّ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ السَّبْعَةِ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ الْوِلَادَةِ، إِلَّا إِنْ وُلِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ وَجْهَيْنِ وَرَجَّحَ الْحُسْبَانَ، وَاخْتَلَفَ تَرْجِيحُ النَّوَوِيِّ.

وَقَوْلُهُ يُذْبَحُ بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنِ الذَّابِحُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَتَعَيَّنُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْمَوْلُودِ، وَعَنِ الْحَنَابِلَةِ يَتَعَيَّنُ الْأَبُ إِلَّا إِنْ تَعَذَّرَ بِمَوْتٍ أَوِ امْتِنَاعٍ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَأَنَّ الْحَدِيثَ أَنَّهُ عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ مُؤَوَّلٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُ حِينَئِذٍ كَانَا مُعْسِرَيْنِ أَوْ تَبَرَّعَ بِإِذْنِ الْأَبِ، أَوْ قَوْلُهُ عَقَّ أَيْ أَمَرَ، أَوْ هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ كَمَا ضَحَّى عَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِهِ، وَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُهُمْ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَنَصَّ مَالِكٌ عَلَى أَنَّهُ يُعَقُّ عَنِ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ، وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيَّةُ، وَقَوْلُهُ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ أَيْ جَمِيعَهُ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْ الْقَزَعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ كَرَاهَةَ حَلْقِ رَأْسِ الْجَارِيَةِ، وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ يُحْلَقُ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَالْحَاكِمِ فِي حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ عَنِ الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ، قَالَ فَوَزَنَّاهُ فَكَانَ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ لَمَّا وَلَدَتْ فَاطِمَةُ حَسَنًا قَالَتْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَعُقُّ عَنِ ابْنِي بِدَمٍ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنِ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِ شَعْرِهِ فِضَّةً، فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ حُسَيْنًا فَعَلَتْ مِثْلَ ذَلِكَ.

قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَقَّ عَنْهُ ثُمَّ اسْتَأْذَنَتْهُ فَاطِمَةُ