وَقَالَ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ كَالْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْأَطْعِمَةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ حَاضِرًا لِلْقِصَّةِ فِي بَيْتِ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَكَأَنَّهُ اسْتَثْبَتَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ لِكَوْنِهِ الَّذِي كَانَ بَاشَرَ السُّؤَالَ عَنْ حُكْمِ الضَّبِّ وَبَاشَرَ أَكْلَهُ أَيْضًا، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رُبَّمَا رَوَاهُ عَنْهُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ حَدَّثَ بِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ وَعِنْدَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِلَحْمِ ضَبٍّ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَكَذَا رَوَاهُ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خَالِدًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَطْعِمَةِ.
قَوْلُهُ (إِنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَيْتَ مَيْمُونَةَ) زَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ وَهِيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ. قُلْتُ: وَاسْمُ أُمِّ خَالِدٍ لُبَابَةُ الصُّغْرَى، وَاسْمُ أُمِّ ابْنِ عَبَّاسٍ لُبَابَةُ الْكُبْرَى وَكَانَتْ تُكَنَّى أُمَّ الْفَضْلِ بِابْنِهَا الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَهُمَا أُخْتَا مَيْمُونَةَ وَالثَّلَاثُ بَنَاتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ الْهِلَالِيِّ.
قَوْلُهُ (فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ) بِمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَنُونٍ مَضْمُومَةٍ وَآخِرُهُ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ أَيْ مَشْوِيٌّ بِالْحِجَارَةِ الْمُحْمَاةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ، وَالْمَحْنُوذُ أَخَصُّ وَالْحَنِيذُ بِمَعْنَاهُ، زَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ وَهِيَ بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ مُصَغَّرٌ وَمَضَى فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جَبْرٍ أَنَّ أُمَّ حُفَيْدَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ خَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَهْدَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا وَفِي رِوَايَةِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ الطَّحَاوِيِّ جَاءَتْ أُمُّ حُفَيْدَةَ بِضَبٍّ وَقُنْفُذٍ وَذِكْرُ الْقُنْفُذِ فِيهِ غَرِيبٌ، وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِهَا هُزَيْلَةُ بِالتَّصْغِيرِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَعَلَّ لَهَا اسْمَيْنِ أَوِ اسْمٌ وَلَقَبٌ، وَحَكَى بَعْضُ شُرَّاحِ الْعُمْدَةِ فِي اسْمِهَا حُمَيْدَةُ بِمِيمٍ وَفِي كُنْيَتِهَا أُمُّ حُمَيْدٍ بِمِيمٍ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَفِي رِوَايَةٍ بِهَاءٍ وَبِفَاءٍ وَلَكِنْ بِرَاءٍ بَدَلَ الدَّالِ وَبِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ بَدَلَ الْحَاءِ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَكُلُّهَا تَصْحِيفَاتٌ.
قَوْلُهُ (فَأَهْوَى) زَادَ يُونُسُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَلَّ مَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُسَمَّى لَهُ وَأَخْرَجَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ ابْنِ الْحَوْتَكِيَّةِ، عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِأَرْنَبٍ يُهْدِيهَا إِلَيْهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يَأْكُلُ مِنَ الْهَدِيَّةِ حَتَّى يَأْمُرَ صَاحِبَهَا فَيَأْكُلَ مِنْهَا مِنْ أَجْلِ الشَّاةِ الَّتِي أُهْدِيَتْ إِلَيْهِ بِخَيْبَرَ الْحَدِيثَ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.
قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ، فَقَالُوا: هُوَ ضَبٌّ) فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِمَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ، هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَأَنَّ الْمَرْأَةَ أَرَادَتْ أَنَّ غَيْرَهَا يُخْبِرُهُ، فَلَمَّا لَمْ يُخْبِرُوا بَادَرَتْ هِيَ فَأَخْبَرَتْ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فِيهِمْ سَعْدٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فَذَهَبُوا يَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمٍ فَنَادَتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَعِنْدَهَا الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى إِذْ قُرِّبَ إِلَيْهِمْ خِوَانٌ عَلَيْهِ لَحْمٌ، فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَأْكُلَ قَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ، فَكَفَّ يَدَهُ، وَعُرِفَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ اسْمُ الَّتِي أُبْهِمَتْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَا هُوَ.
قَوْلُهُ (فَرَفَعَ يَدَهُ) زَادَ يُونُسُ عَنِ الضَّبِّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْ غَيْرِ الضَّبِّ مِمَّا كَانَ قُدِّمَ لَهُ مِنْ غَيْرِ الضَّبِّ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ غَيْرُ الضَّبِّ، وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَطْعِمَةِ، قَالَ فَأَكَلَ الْأَقِطَ وَشَرِبَ اللَّبَنَ.
قَوْلُهُ (لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي) فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ هَذَا لَحْمٌ لَمْ آكُلْهُ قَطُّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اعْتَرَضَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي بِأَنَّ الضِّبَابَ كَثِيرَةٌ بِأَرْضِ الْحِجَازِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute