للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَوْقَ ثَلَاثٍ أَنْ لَا يُحْسَبَ الْيَوْمُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ النَّحْرُ مِنَ الثَّلَاثِ، وَتُعْتَبَرُ اللَّيْلَةُ الَّتِي تَلِيهِ وَمَا بَعْدَهَا. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثِ مِنًى، فَإِنَّ ثَلَاثَ مِنًى تُتَنَاوَلُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ لِأَهْلِ النَّفْرِ الثَّانِي، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَعَلَّ عَلِيًّا لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ الَّذِي قَالَ عَلِيٌّ فِيهِ ذَلِكَ كَانَ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ كَمَا وَقَعَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: إِنَّمَا خَطَبَ عَلِيٌّ بِالْمَدِينَةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ عُثْمَانُ حُوصِرَ فِيهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْبَوَادِي قَدْ أَلْجَأَتْهُمُ الْفِتْنَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَصَابَهُمُ الْجَهْدُ، فَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ مَا قَالَ.

قُلْتُ: أَمَّا كَوْنُ عَلِيٍّ خَطَبَ بِهِ وَعُثْمَانُ مَحْصُورًا فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ: صَلَّيْتُ مَعَ عَلِيٍّ الْعِيدَ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ، وَأَمَّا الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ فَلِمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالطَّحَاوِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُخَارِقِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَلِيٍّ رَفَعَهُ: إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَادَّخِرُوا مَا بَدَا لَكُمْ، ثُمَّ جَمَعَ الطَّحَاوِيُّ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. وَكَذَلِكَ يُجَابُ عَمَّا أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ سُلَيْمَانَ قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَسَأَلْتُهَا عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ، فَقَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ نَهَى عَنْهَا ثُمَّ رَخَّصَ فِيهَا، فَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ السَّفَرِ فَأَتَتْهُ فَاطِمَةُ بِلَحْمٍ مِنْ ضَحَايَاهَا فَقَالَ: أَوَلَمْ نُنْهَ عَنْهُ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ قَدْ رُخِّصَ فِيهَا، فَهَذَا عَلِيٌّ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى الرُّخْصَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ خَطَبَ بِالْمَنْعِ، فَطَرِيقُ الْجَمْعِ مَا ذَكَرْتُهُ. وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْعِلَلِ فِي الْحَدِيثِ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: فَإِذَا دَفَّتِ الدَّافَّةُ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَإِنْ لَمْ تَدُفَّ دَافَّةٌ فَالرُّخْصَةُ ثَابِتَةٌ بِالْأَكْلِ وَالتَّزَوُّدِ وَالِادِّخَارِ وَالصَّدَقَةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ مَنْسُوخًا فِي كُلِّ حَالٍ.

قُلْتُ: وَبِهَذَا الثَّانِي أَخَذَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْيَوْمُ بِحَالٍ، وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الِادِّخَارُ الْيَوْمَ بِحَالٍ، وَحَكَى فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ نَسْخُ النَّهْيِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ تَحْرِيمٌ وَلَا كَرَاهَةٌ، فَيُبَاحُ الْيَوْمَ الِادِّخَارُ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَالْأَكْلُ إِلَى مَتَى شَاءَ اهـ. وَإِنَّمَا رَجَّحَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ إِذَا دَفَّتِ الدَّافَّةُ إِيجَابَ الْإِطْعَامِ، وَقَدْ قَامَتِ الْأَدِلَّةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَا يُوَافِقُ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ: لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي إِجَازَةِ أَكْلِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ، كَذَا أَطْلَقَ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَقَدْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: حَدِيثُ سَلَمَةَ، وَعَائِشَةَ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِعِلَّةٍ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ ارْتَفَعَ لِارْتِفَاعِ مُوجِبِهِ فَتَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ، وَبِعَوْدِ الْحُكْمِ تَعُودُ الْعِلَّةُ، فَلَوْ قَدِمَ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ نَاسٌ مُحْتَاجُونَ فِي زَمَانِ الْأَضْحَى وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ سَعَةٌ يَسُدُّونَ بِهَا فَاقَتَهُمْ إِلَّا الضَّحَايَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَدَّخِرُوهَا فَوْقَ ثَلَاثٍ.

قُلْتُ: وَالتَّقْيِيدُ بِالثَّلَاثِ وَاقِعَةُ حَالٍ، وَإِلَّا فَلَوْ لَمْ تَسْتَدَّ الْخَلَّةُ إِلَّا بِتَفْرِقَةِ الْجَمِيعِ لَزِمَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ عَدَمُ الْإِمْسَاكِ وَلَوْ لَيْلَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ التَّحْرِيمَ كَانَ لِعِلَّةٍ فَلَمَّا زَالَتْ زَالَ الْحُكْمُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ عَوْدُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَوْدِ الْعِلَّةِ. قُلْتُ: وَاسْتَبْعَدُوهُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ، لِأَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ نَظَرَ إِلَى أَنَّ الْخَلَّةَ لَمْ تَسْتَدَّ يَوْمَئِذٍ إِلَّا بِمَا ذَكَرَ فَأَمَّا الْآنَ فَإِنَّ الْخَلَّةَ تَسْتَدُّ بِغَيْرِ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ فَلَا يَعُودُ الْحُكْمُ إِلَّا لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْخَلَّةَ لَا تَسْتَدُّ إِلَّا بِلَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ النُّدُورِ. وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ كَانَ فِي الْأَصْلِ لِلتَّنْزِيهِ، قَالَ: وَهُوَ كَالْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ﴾؛ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ احْتِمَالًا، وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ وَلَيْسَ بِعَزِيمَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ