للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْأَكْلِ فَوْقَ ثَلَاثٍ خَاصٌّ بِصَاحِبِ الْأُضْحِيَّةِ، فَأَمَّا مَنْ أُهْدِيَ لَهُ أَوْ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ فَلَا، لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبِي يَعْلَى مَا يُفِيدُ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ: قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ قَدْ نُهِيَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ لَحْمِ نُسُكِهِمْ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِمَا أُهْدِيَ لَنَا؟ قَالَ: أَمَّا مَا أُهْدِيَ إِلَيْكُمْ فَشَأْنُكُمْ بِهِ فَهَذَا نَصٌّ فِي الْهَدِيَّةِ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَإِنَّ الْفَقِيرَ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيمَا يُهْدَى لَهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ تَقَعَ الْمُوَاسَاةُ مِنَ الْغَنِيِّ لِلْفَقِيرِ وَقَدْ حَصَلَتْ.

قَوْلُهُ: (عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ نَحْوُهُ) هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى السَّنَدِ الْمَذْكُورِ، فَيَكُونُ مِنْ رِوَايَةِ حِبَّانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَبِهَذَا جَزَمَ أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّرْقِيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الْمِزِّيِّ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ مُوسَى فَسَاقَ رِوَايَةَ يُونُسَ بِتَمَامِهَا. ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ مَعْمَرٍ وَقَالَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَقِبَ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ قُلْتُ: فَاحْتَمَلَ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ مُعَلَّقَةً، وَقَدْ بَيَّنْتُ مَا فِيهَا مِنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ قَبْلُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ أَخْرَجَهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ حِبَّانَ بِسَنَدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، وَمَالِكٍ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ به، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْخَبَرَ، أَيْ لَمْ يُوَصِّلِ السَّنَدَ إِلَى مَعْمَرٍ.

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ.

قَوْلُهُ: (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِصَاعِقَةَ، وَابْنُ أَخِي ابْنُ شِهَابٍ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَسَالِمٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.

قَوْلُهُ: (كُلُوا مِنَ الْأَضَاحِيِّ ثَلَاثًا) أَيْ فَقَطْ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ: نَهَى أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ) أَيِ ابْنُ عُمَرَ (يَأْكُلُ بِالزَّيْتِ) سَيَأْتِي بَيَانُهُ.

قَوْلُهُ: (حِينَ يَنْفِرُ مِنْ مِنًى) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ حَتَّى بَدَلَ حِينَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ يُفْسِدُ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَكَانَ إِذَا انْقَضَتْ ثَلَاثُ مِنًى ائْتَدَمَ بِالزَّيْتِ وَلَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ تَمَسُّكًا بِالْأَمْرِ الْمَذْكُورِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مِنْ أَجْلِ لُحُومِ الْهَدْيِ، وَكَأَنَّهُ أَيْضًا لَمْ يَبْلُغْهُ الْإِذْنُ بَعْدَ الْمَنْعِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ وَيَصِيرُ الْمَعْنَى: كَانَ يَأْكُلُ بِالزَّيْتِ إِلَى أَنْ يَنْفِرَ، فَإِذَا نَفَرَ أَكَلَ بِغَيْرِ الزَّيْتِ. فَيَدْخُلُ فِيهِ لَحْمُ الْأُضْحِيَّةِ. وَأَمَّا تَعْبِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ بِالْهَدْيِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ لَحْمِ الْهَدْيِ وَلَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ فِي الْحُكْمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ عَلَى لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ لَحْمَ الْهَدْي لِمُنَاسَبَةِ أَنَّهُ كَانَ بِمِنًى. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ نَسْخُ الْأَثْقَلِ بِالْأَخَفِّ، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ ادِّخَارِ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ ثَلَاثٍ مِمَّا يَثْقُلُ عَلَى الْمُضَحِّينَ، وَالْإِذْنُ فِي الِادِّخَارِ أَخَفُّ مِنْهُ.

وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْأَثْقَلِ لِلْأَخَفِّ، وَعَكَسَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ زَاعِمًا أَنَّ الْإِذْنَ فِي الِادِّخَارِ نُسِخَ بِالنَّهْيِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الِادِّخَارَ كَانَ مُبَاحًا بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، فَالنَّهْيُ عَنْهُ لَيْسَ نَسْخًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا فَفِيهِ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّ فِي الْكِتَابِ الْإِذْنَ فِي أَكْلِهَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا﴾ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ تَخْصِيصٌ لَا نَسْخٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ.

(خَاتِمَةٌ):

اشْتَمَلَ كِتَابُ الْأَضَاحِيِّ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا، الْمُعَلَّقُ مِنْهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ، الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا وَالْخَالِصُ خَمْسَةٌ، وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ فِي الْبَابِ الْأَخِيرِ، وَسِوَى زِيَادَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَهِيَ قَوْلُهُ بِكَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ فَإِنَّ