أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا شَرِبَ قَالَ: تُحَيِّي بِالسَّلَامَةِ أُمَّ بَكْرٍ الْأَبْيَاتَ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ الْحَدِيثُ. وَأَبُو بَكْرٍ هَذَا يُقَالُ لَهُ ابْنُ شَغُوبٍ، فَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لَكِنْ قَرِينَةُ ذِكْرِ عُمَرَ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْغَلَطِ فِي وَصْفِ الصِّدِّيقِ، فَحَصَّلْنَا تَسْمِيَةَ عَشَرَةٍ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ مِنَ الْمَغَازِي تَرْجَمَةَ أَبِي بَكْرِ بْنِ شَغُوبٍ الْمَذْكُورِ. وَفِي كِتَابِ مَكَّةَ لِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقٍ مُرْسَلٍ مَا يَشِيدُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مِنْ فَضِيخِ زَهْوٍ وَتَمْرٍ) أَمَّا الْفَضِيخُ فَهُوَ بِفَاءٍ وَضَادٍ مُعْجَمَتَيْنِ وَزْنُ عَظِيمٍ: اسْمُ لِلْبُسْرِ إِذَا شُدِخَ وَنُبِذَ، وَأَمَّا الزَّهْوُ فَبِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدَهَا وَاوٌ: وَهُوَ الْبُسْرُ الَّذِي يَحْمَرُّ أَوْ يَصْفَرُّ قَبْلَ أَنْ يَتَرَطَّبَ. وَقَدْ يُطْلَقُ الْفَضِيخُ عَلَى خَلِيطِ الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى خَلِيطِ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ، وَكَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْبُسْرِ وَحْدَهُ وَعَلَى التَّمْرِ وَحْدَهُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي آخِرَ الْبَابِ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ وَمَا خَمْرُهُمْ يَوْمئِذٍ إِلَّا الْبُسْرَ وَالتَّمْرَ مَخْلُوطَيْنِ، وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَسْقِيهِمْ مِنْ مَزَادَةٍ فِيهَا خَلِيطُ بُسْرٍ وَتَمْرٍ.
قَوْلُهُ: (فَجَاءَهُمْ آتٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَسْقِيهِمْ: حَتَّى كَادَ الشَّرَابُ يَأْخُذُ فِيهِمْ، وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ: حَتَّى أَسْرَعَتْ فِيهِمْ، وَلِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ: حَتَّى مَالَتْ رُءُوسُهُمْ، فَدَخَلَ دَاخِلٌ وَمَضَى فِي الْمَظَالِمِ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُنَادِيًا فَنَادَى، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوُهُ وَزَادَ: فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ وَمَضَى فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ بَلَغَكُمُ الْخَبَرُ؟ قَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَدْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، وَهَذَا الرَّجُلُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُنَادِي، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَدَخَلَ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ وَحَلَفَ عَلَيَّ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي وَهِيَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَضَرَبْتُهَا بِرِجْلِي وَقُلْتُ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ خَرَجَ فَاسْتَخْبَرَ الرَّجُلَ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الرَّجُلَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَذَكَرَ لَهُمْ تَحْرِيمَهَا، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَتَانَا فُلَانٌ مِنْ عِنْدِ نَبِيِّنَا فَقَالَ: قَدْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، قُلْنَا: مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ، وَمِنْ عِنْدِهِ أَتَيْتُكُمْ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: قُمْ يَا أَنَسُ، فَهَرِقْهَا) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ، وَالْأَصْلُ أَرِقْهَا، فَأُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ هَاءً، وَكَذَا قَوْلُهُ: فَهَرَقْتُهَا وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ بِالْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ مَعًا وَهُوَ نَادِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهُ فِي الطَّهَارَةِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ فِي التَّفْسِيرِ بِلَفْظِ فَأَرِقْهَا، وَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ فَقَالُوا أَرِقْ هَذِهِ الْقِلَالَ يَا أَنَسُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطِبَ لَهُ بِذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ، وَرَضِيَ الْبَاقُونَ بِذَلِكَ فَنُسِبَ الْأَمْرُ بِالْإِرَاقَةِ إِلَيْهِمْ جَمِيعًا. وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْبَابِ أَكْفِئْهَا بِكَسْرِ الْفَاءِ مَهْمُوزٌ بِمَعْنَى أَرِقْهَا، وَأَصْلُ الْإِكْفَاءِ الْإِمَالَةُ. وَوَقَعَ فِي بَابِ إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ وَهَذَا لَا يُنَافِي الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى بَلْ يُجْمَعُ بِأَنَّهُ أَرَاقَهَا وَكَسَرَ أَوَانِيَهَا، أَوْ أَرَاقَ بَعْضًا وَكَسَرَ بَعْضًا. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ تَفَرَّدَ عَنْ أَنَسٍ بِذِكْرِ الْكَسْرِ، وَأَنَّ ثَابِتًا، وَعَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ صُهَيْبٍ، وَحُمَيْدًا وَعَدَّ جَمَاعَةً مِنَ الثِّقَاتِ رَوَوُا الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ عَنْ أَنَسٍ مِنْهُمْ مَنْ طَوَّلَهُ وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَصَرَهُ، فَلَمْ يَذْكُرُوا إِلَّا إِرَاقَتَهَا.
وَالْمِهْرَاسُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ إِنَاءٌ يُتَّخَذُ مِنْ صَخْرٍ وَيُنَقَّرُ وَقَدْ يَكُونُ كَبِيرًا كَالْحَوْضِ وَقَدْ يَكُونُ صَغِيرًا بِحَيْثُ يَتَأَتَّى الْكَسْرُ بِهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute