للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَكْسِرُ بِهِ غَيْرَهُ، أَوْ كَسَرَ بِآلَةِ الْمِهْرَاسِ الَّتِي يُدَقُّ بِهَا فِيهِ كَالْهَاوُنِ فَأَطْلَقَ اسْمُهُ عَلَيْهَا مَجَازًا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: فَوَاللَّهِ مَا قَالُوا حَتَّى نَنْظُرَ وَنَسْأَلَ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ فِي التَّفْسِيرِ: فَوَاللَّهِ مَا سَأَلُوا عَنْهَا وَلَا رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ، وَوَقَعَ فِي الْمَظَالِمِ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ أَيْ طُرُقِهَا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَوَارُدِ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى إِرَاقَتِهَا حَتَّى جَرَتْ فِي الْأَزِقَّةِ مِنْ كَثْرَتِهَا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بَعْضُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْخَمْرَ الْمُتَّخَذَةَ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ لَيْسَتْ نَجِسَةً لِأَنَّهُ نَهَى عَنِ التَّخَلِّي فِي الطُّرُقِ، فَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً مَا أَقَرَّهُمْ عَلَى إِرَاقَتِهَا فِي الطَّرَقَاتِ حَتَّى تَجْرِيَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَصْدَ بِالْإِرَاقَةِ كَانَ لِإِشَاعَةِ تَحْرِيمِهَا، فَإِذَا اشْتَهَرَ ذَلِكَ كَانَ أَبْلَغَ فَتُحْتَمَلُ أَخَفُّ الْمَفْسَدَتَيْنِ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الْعَظِيمَةِ الْحَاصِلَةِ مِنَ الِاشْتِهَارِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا إِنَّمَا أُرِيقَتْ فِي الطُّرُقِ الْمُنْحَدِرَةِ بِحَيْثُ تَنْصَبُّ إِلَى الْأَسرِبَةِ وَالْحُشُوشِ أَوِ الْأَوْدِيَةِ فَتُسْتَهْلَكُ فِيهَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ فِي قِصَّةِ صَبِّ الْخَمْرِ قَالَ: فَانْصَبَّتْ حَتَّى اسْتَنْقَعَتْ فِي بَطْنِ الْوَادِي.

وَالتَّمَسُّكُ بِعُمُومِ الْأَمْرِ بِاجْتِنَابِهَا كَافٍ فِي الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهَا.

وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَتْ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ.

قَوْلُهُ: (قُلْتُ لِأَنَسٍ) الْقَائِلُ هُوَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ وَالِدُ مُعْتَمِرٍ، وَقَوْلُهُ: فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٍ: وَكَانَتْ خَمْرُهُمْ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَوْمئِذٍ، وَقَوْلُهُ: فَلَمْ يُنْكِرْ أَنَسٌ زَادَ مُسْلِمٌ ذَلِكَ وَالْمَعْنَى أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَنَسٍ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَ أَنَسٍ لَمَّا حَدَّثَهُمْ فَكَأَنَّ أَنَسًا حِينَئِذٍ لَمْ يُحَدِّثْهُمْ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ إِمَّا نِسْيَانًا وَإِمَّا اخْتِصَارًا، فَذَكَّرَهُ بِهَا ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَقَرَّهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ ثَبَتَ تَحْدِيثُ أَنَسٍ بِهَا كَمَا سَأَذْكُرُهُ.

قَوْلُهُ: (وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي) الْقَائِلُ هُوَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ أَيْضًا، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ أَفْرَدَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الطَّرِيقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعِي أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمئِذٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ حَدَّثَ بِهَا حِينَئِذٍ فَلَمْ يَسْمَعْهُ سُلَيْمَانُ، أَوْ حَدَّثَ بِهَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَحَفِظَهَا عَنْهُ الرَّجُلُ الَّذِي حَدَّثَ بِهَا سُلَيْمَانَ، وَهَذَا الْمُبْهَمُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، فَإِنَّ رِوَايَتَهُ فِي آخِرِ الْبَابِ تُومِئُ إِلَى ذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَتَادَةُ، فَسَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ: وَإِنَّا نَعُدُّهَا يَوْمئِذٍ الْخَمْرَ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ اسْمُ جِنْسٍ لِكُلِّ مَا يُسْكِرُ، سَوَاءً كَانَ مِنَ الْعِنَبِ أَوْ مِنْ نَقِيعِ الزَّبِيبِ أَوِ التَّمْرِ أَوِ الْعَسَلِ أَوْ غَيْرِهَا. وَأَمَّا دَعْوَى بَعْضِهِمْ أَنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةٌ فِي مَاءِ الْعِنَبِ، مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ سَلِمَ فِي اللُّغَةِ لَزِمَ مَنْ قَالَ بِهِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَالْكُوفِيُّونَ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الشَّرْعِ فَالْخَمْرُ حَقِيقَةٌ فِي الْجَمِيعِ، لِثُبُوتِ حَدِيثِ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي هَذَا اللَّفْظِ لَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَهُ، وَهَذَا مَا لَا انْفِكَاكَ لَهُمْ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي يُوسُفُ) هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، وَهُوَ أَبُو مَعْشَرٍ الْبَرَّاءُ بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ أَكْثَرَ مِنَ اسْمِهِ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْقَطَّانُ وَشُهْرَتُهُ بِالْبَرَّاءِ أَكْثَرُ، وَكَانَ يَبْرِي السِّهَامَ ; وَهُوَ بَصْرِيٌّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَآخَرَ سَيَأْتِي فِي الطِّبِّ وَكِلَاهُمَا فِي الْمُتَابَعَاتِ، وَقَدْ لَيَّنَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَوَثَّقَهُ الْمُقَدَّمِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ اسْمُ جَدِّهِ جُبَيْرٌ بِالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا ابْنُ حَيَّةَ بِالْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ الْحَاكِمُ، عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَمَا لَهُ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَآخَرَ تَقَدَّمَ فِي الْجِزْيَةِ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ وَالْخَمْرُ يَوْمئِذٍ الْبُسْرُ) هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مَعْشَرٍ مُخْتَصَرًا، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِهَذَا السَّنَدِ مُطَوَّلًا، وَلَفْظُهُ عَنْ أَنَسٍ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، فَدَخَلْتُ عَلَى أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِي وَهِيَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَضَرَبْتُهَا بِرِجْلِي فَقُلْتُ: انْطَلِقُوا فَقَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَشَرَابُهُمْ