اللَّهُ - تَعَالَى - فِي الْأَرْوَاحِ مِنَ التَّأْثِيرَاتِ وَلِشِدَّةِ ارْتِبَاطِهَا بِالْعَيْنِ نُسِبَ الْفِعْلُ إِلَى الْعَيْنِ، وَلَيْسَتْ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لِلرُّوحِ، وَالْأَرْوَاحُ مُخْتَلِفَةٌ فِي طَبَائِعِهَا وَقُوَاهَا وَكَيْفِيَّاتِهَا وَخَوَاصِّهَا: فَمِنْهَا مَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ مِنْ غَيْرِ اتِّصَالٍ بِهِ لِشِدَّةِ خُبْثِ تِلْكَ الرُّوحِ وَكَيْفِيَّتِهَا الْخَبِيثَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّأْثِيرَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَخَلْقِهِ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الِاتِّصَالِ الْجُسْمَانِيِّ، بَلْ يَكُونُ تَارَةً بِهِ وَتَارَةً بِالْمُقَابَلَةِ، وَأُخْرَى بِمُجْرِدِ الرُّؤْيَةِ، وَأُخْرَى بِتَوَجُّهِ الرُّوحِ كَالَّذِي يَحْدُثُ مِنَ الْأَدْعِيَةِ وَالرُّقَى وَالِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ، وَتَارَةً يَقَعُ ذَلِكَ بِالتَّوَهُّمِ وَالتَّخَيُّلِ، فَالَّذِي يَخْرُجُ مِنْ عَيْنِ الْعَائِنِ سَهْمٌ مَعْنَوِيٌّ إِنْ صَادَفَ الْبَدَنَ لَا وِقَايَةَ لَهُ أَثَّرَ فِيهِ، وَإِلَّا لَمْ يَنْفُذِ السَّهْمُ، بَلْ رُبَّمَا رُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ كَالسَّهْمِ الْحِسِّيِّ سَوَاءً.
قَوْلُهُ: (سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ) هُوَ الْجَدَلِيُّ الْكُوفِيُّ تَابِعِيٌّ، وَشَيْخُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْهَادِ لَهُ رُؤْيَةٌ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَائِشَةَ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ. وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مِسْعَرٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ مِثْلُهُ، لَكِنْ شَكَّ فِيهِ فَقَالَ: أَوْ قَالَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ عَائِشَةَ.
قَوْلُهُ: (قَالَتْ: أَمَرَنِي النَّبِيُّ ﷺ، أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ الْعَيْنِ) أَيْ يُطْلَبُ الرُّقْيَةَ مِمَّنْ يَعْرِفُ الرُّقَى بِسَبَبِ الْعَيْنِ، كَذَا وَقَعَ بِالشَّكِّ هَلْ قَالَتْ: أَمَرَ بِغَيْرِ إِضَافَةٍ أَوْ: أَمَرَنِي، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَنِ الطَّبَرَانِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ: أَمَرَنِي جَزْمًا، وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ: كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَسَتَرْقِيَ، وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ مِسْعَرٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ: كَانَ يَأْمُرُهَا وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ أَمَرَهَا أَنْ تَسْتَرِقِيَ، وَهُوَ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الرُّقْيَةِ لِمَنْ أَصَابَهُ الْعَيْنُ، وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ وَلَدَ جَعْفَرٍ تُسْرِعُ إِلَيْهِمُ الْعَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ الْحَدِيثَ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِآلِ حَزْمٍ فِي الرُّقْيَةِ، وَقَالَ لِأَسْمَاءَ: مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً؟ أَتُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ الْعَيْنَ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ، قَالَ: ارْقِيهِمْ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: ارْقِيهِمْ، وَقَوْلُهُ: ضَارِعَةً بِمُعْجَمَةٍ أَوَّلُهُ أَيْ نَحِيفَةً، وَوَرَدَ فِي مُدَاوَاةِ الْمَعْيُونِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْمُرُ الْعَائِنَ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَغْتَسِلَ مِنْهُ الْمَعِينُ، وَسَأَذْكُرُ كَيْفِيَّةَ اغْتِسَالِهِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا.
وَقَالَ عُقَيْلٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ. تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ) قَالَ الْحَاكِمُ، وَالْجَوْزَقِيُّ، وَالْكَلَابَاذِيُّ، وَأَبُو مَسْعُودٍ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، هُوَ الذُّهْلِيُّ نُسِبَ إِلَى جَدِّ أَبِيهِ؛ فَإِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ فَارِسٍ، وَقَدْ كَانَ أَبُو دَاوُدَ يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى فَيَنْسِبُ أَبَاهُ إِلَى جَدِّ أَبِيهِ أَيْضًا فَيَقُولُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، قَالُوا: وَقَدْ حَدَّثَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْجَارُودِ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، وَهِيَ قَرِينَةٌ فِي أَنَّهُ الْمُرَادُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ هُنَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الذُّهْلِيُّ، فَانْتَفَى أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ جَبَلَةَ الرَّافِعِيُّ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَطِيَّةَ الْمَذْكُورِ، وَكَذَا هُوَ فِي كِتَابِ الزَّهْرِيَّاتِ جَمْعُ الذُّهْلِيِّ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا نَزَلَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ؛ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ فِي الْعِتْقِ، فَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُرْوَةَ رَجُلَانِ، وَهُنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِيهِ خَمْسَةُ أَنْفُسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عَطِيَّةَ سُلَمِيٌّ قَدِ أَدْرَكَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمَا أَدْرِي لَقِيَهُ أَمْ لَا، وَهُوَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute