إِنَّمَا هِيَ فِي الشُّرْبِ قَائِمًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَشْرِبَةِ، وَقَدْ وَافَقَ الْجَمَاعَةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَزَيْدُ بْنُ وَهْبٍ هُوَ الْجُهَنِيُّ الثِّقَةُ الْمَشْهُورُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ بِلَفْظِ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ.
قَوْلُهُ: (أَهْدَى) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ.
قَوْلُهُ: (إِلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (١) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ الْمَذْكُورَةِ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حُلَّةٌ فَبَعَثَ بِهَا إِلَيَّ وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ إنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ ﷺ ثَوْبَ حَرِيرٍ فَأَعْطَاهُ عَلِيًّا وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّحَاوِيِّ أَهْدَى أَمِيرُ أَذْرَبِيجَانَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ حُلَّةً مُسَيَّرَةً بِحَرِيرٍ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (حُلَّةً سِيَرَاءَ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْحُلَلُ بُرُودُ الْيَمَنِ، وَالْحُلَّةُ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ وَزَادَ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ الْحُلَّةُ بُرْدٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ أَصْلَ تَسْمِيَةِ الثَّوْبَيْنِ حُلَّةً أَنَّهُمَا يَكُونَانِ جَدِيدَيْنِ كَمَا حَلَّ طَيُّهُمَا، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ الثَّوْبَانِ حُلَّةً حَتَّى يُلْبَسَ أَحَدَهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ، فَإِذَا كَانَ فَوْقَهُ فَقَدْ حَلَّ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَالسِّيَرَاءُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالرَّاءِ مَعَ الْمَدِّ، قَالَ الْخَلِيلُ: لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فِعَلَاءُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ مَعَ الْمَدِّ سِوَى سِيَرَاءَ، وَحِوَلَاءَ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى رَأْسِ الْوَلَدِ، وَعِنَبَاءُ لُغَةٌ فِي الْعِنَبِ، قَالَ مَالِكٌ: هُوَ الْوَشْيُ مِنَ الْحَرِيرِ، كَذَا قَالَ، وَالْوَشْيُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ ثِيَابٌ فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ قَزٍّ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا سِيَرَاءُ لِتَسْيِيرِ الْخُطُوطِ فِيهَا. وَقَالَ الْخَلِيلُ: ثَوْبٌ مُضَلَّعٌ بِالْحَرِيرِ وَقِيلَ: مُخْتَلِفُ الْأَلْوَانِ فِيهِ خُطُوطٌ مُمْتَدَّةٌ كَأَنَّهَا السُّيُورُ.
وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ رَأَى عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ حُلَّةً سِيَرَاءَ وَالسِّيَرَاءُ الْمُضَلَّعُ بِالْقَزِّ، وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ بَطَّالٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ مِنْ تَفْسِيرِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْبُرُودِ، وَقِيلَ ثَوْبٌ مُسَيَّرٌ فِيهِ خُطُوطٌ يُعْمَلُ مِنَ الْقَزِّ، وَقِيلَ: ثِيَابٌ مِنَ الْيَمَنِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بُرْدٌ فِيهِ خُطُوطٌ صُفْرٌ، وَنَقَلَ عِيَاضٌ، عَنْ سِيبَوَيْهِ قَالَ لَمْ يَأْتِ فِعَلَاءُ صِفَةً لَكِنِ اسْمًا، وَهُوَ الْحَرِيرُ الصَّافِي وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ حُلَّةً سِيَرَاءَ هَلْ هُوَ بِالْإِضَافَةِ أَوْ لَا، فَوَقَعَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ بِتَنْوِينِ حُلَّةٍ عَلَى أَنَّ سِيَرَاءَ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ نَعْتٌ، وَجَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ الرِّوَايَةُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَالُوا حُلَّةً سِيَرَاءَ كَمَا قَالُوا نَاقَةً عُشْرَاءَ، وَنَقَلَ عِيَاضٌ، عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بْنِ السَّرَّاجِ أَنَّهُ بِالْإِضَافَةِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَكَذَا ضَبَطْنَاهُ عَنْ مُتْقِنِي شُيُوخِنَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّهُ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ وَمُتْقِنِي الْعَرَبِيَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ لِصِفَتِهِ كَمَا قَالُوا ثَوْبُ خَزٍّ.
قَوْلُهُ: (فَخَرَجْتُ فِيهَا) فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ فَلَبِسْتُهَا.
قَوْلُهُ: (فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُشَقِّقَهَا خُمُرًا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَهُ فِي أُخْرَى شَقِّقْهَا خُمُرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ.
قَوْلُهُ: (فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي) أَيْ قَطَعْتُهَا فَفَرَّقْتُهَا عَلَيْهِنَّ خُمُرًا، وَالْخُمُرُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ جَمْعُ خِمَارٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَالتَّخْفِيفِ: مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: نِسَائِي مَا فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ حَيْثُ قَالَ: بَيْنَ الْفَوَاطِمِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ حَيْثُ قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى فَاطِمَةَ فَشَقَقْتُهَا، فَقَالَتْ: مَاذَا جِئْتَ بِهِ؟ قُلْتُ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ لُبْسِهَا فَالْبَسِيهَا وَأكْسِي نِسَاءَكِ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ عَلِيًّا إِنَّمَا شَقَّقَهَا بِإِذْنِ النَّبِيِّ ﷺ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ قُتَيْبَةَ: الْمُرَادُ بِالْفَوَاطِمِ فَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ ﷺ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ وَالِدَةُ عَلِيٍّ وَلَا أَعْرِفُ الثَّالِثَةَ. وَذَكَرَ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْهَدَايَا وَعَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ فِي الْمُبْهَمَاتِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ
(١) عبارة المتن هنا "كساني النبي الخ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute