للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنْهُ. وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ: قَالَ الْقَوْمُ: مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِثْلَ هَذَا، كَأَنَّهُ يُعَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ ، يَقُولُ لَهُ: صَدَقْتَ صَدَقْتَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّمَا عَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَيْسَ هَذَا السَّائِلُ مِمَّنْ عُرِفَ بِلِقَاءِ النَّبِيِّ وَلَا بِالسَّمَاعِ مِنْهُ، ثُمَّ هُوَ يَسْأَلُ سُؤَالَ عَارِفٍ بِمَا يَسْأَلُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُخْبِرُهُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ، فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ تَعَجُّبَ الْمُسْتَبْعِدِ لِذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (مَتَى السَّاعَةُ؟) أَيْ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ؟ وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.

قَوْلُهُ: (مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا) مَا نَافِيَةٌ. وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ: فَنَكَسَ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ أَعَادَ فَلَمْ يُجِبْهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَا الْمَسْئُولُ.

قَوْلُهُ: (بِأَعْلَمَ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُشْعِرًا بِالتَّسَاوِي فِي الْعِلْمِ لَكِنَّ الْمُرَادَ التَّسَاوِي فِي الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهَا لِقَوْلِهِ بَعْدَ: خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ وَسَيَأْتِي نَظِيرُ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي أَوَاخِرِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ: مَا كُنْتُ بِأَعْلَمَ بِهِ مِنْ رَجُلٍ مِنْكُمْ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَيْضًا التَّسَاوِي فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُنَا فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، خَمْسٌ مِنَ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ تَلَا الْآيَةَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ، وَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ نَقْصٌ مِنْ مَرْتَبَتِهِ، بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مَزِيدِ وَرَعِهِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَقْصُودُ هَذَا السُّؤَالِ كَفُّ السَّامِعِينَ عَنِ السُّؤَالِ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أَكْثَرُوا السُّؤَالَ عَنْهَا كَمَا وَرَدَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، فَلَمَّا حَصَلَ الْجَوَابُ بِمَا ذُكِرَ هُنَا حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ مَعْرِفَتِهَا، بِخِلَافِ الْأَسْئِلَةِ الْمَاضِيَةِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا اسْتِخْرَاجُ الْأَجْوِبَةِ لِيَتَعَلَّمَهَا السَّامِعُونَ وَيَعْمَلُوا بِهَا، وَنَبَّهَ بِهَذِهِ الْأَسْئِلَةِ عَلَى تَفْصِيلِ مَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ.

قَوْلُهُ: (مِنَ السَّائِلِ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ لَسْتُ بِأَعْلَمَ بِهَا مِنْكَ إِلَى لَفْظٍ يُشْعِرُ بِالتَّعْمِيمِ تَعْرِيضًا لِلسَّامِعِينَ، أَيْ أَنَّ كُلَّ مَسْئُولٍ وَكُلَّ سَائِلٍ فَهُوَ كَذَلِكَ.

(فَائِدَةٌ): هَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ وَقَعَ بَيْنَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَجِبْرِيلَ، لَكِنْ كَانَ عِيسَى سَائِلًا وَجِبْرِيلُ مَسْئُولًا. قَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي نَوَادِرِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَأَلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ جِبْرِيلَ (١) عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ فَانْتَفَضَ بِأَجْنِحَتِهِ وَقَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ.

قَوْلُهُ: (وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا) وَفِي التَّفْسِيرِ وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ: وَلَكِنْ لَهَا عَلَامَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا، وَفِي رِوَايَةِ كَهْمَسٍ: قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا فَأَخْبَرَهُ بِهَا فَتَرَدَّدْنَا فَحَصَلَ التَّرَدُّدُ هَلِ ابْتَدَأَهُ بِذِكْرِ الْأَمَارَاتِ أَوِ السَّائِلُ سَأَلَهُ عَنِ الْأَمَارَاتِ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ ابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ: وَسَأُخْبِرُكَ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: فَأَخْبِرْنِي. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَلَفْظُهَا وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ نَبَّأْتُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا، قَالَ: أَجَلْ وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ فَحَدِّثْنِي وَقَدْ حَصَلَ تَفْصِيلُ الْأَشْرَاطِ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَأَنَّهَا الْعَلَامَاتُ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ شَرَطٍ بِفَتْحَتَيْنِ كَقَلَمٍ وَأَقْلَامٍ، وَيُسْتَفَادُ مِنِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ التَّحْدِيثَ وَالْإِخْبَارَ وَالْإِنْبَاءَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا غَايَرَ بَيْنَهَا أَهْلُ الْحَدِيثِ اصْطِلَاحًا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: عَلَامَاتُ السَّاعَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَا يَكُونُ مِنْ نَوْعِ الْمُعْتَادِ، أَوْ غَيْرِهِ. وَالْمَذْكُورُ هُنَا الْأَوَّلُ. وَأَمَّا الْغَيْرُ مِثْلُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فَتِلْكَ مُقَارِبَةٌ لَهَا أَوْ مُضَايِقَةٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْعَلَامَاتُ السَّابِقَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (إِذَا وَلَدَتْ) التَّعْبِيرُ بِإِذَا لِلْإِشْعَارِ بِتَحَقُّقِ الْوُقُوعِ، وَوَقَعَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيَانًا لِلْأَشْرَاطِ نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى، وَالتَّقْدِيرُ وِلَادَةُ الْأَمَةِ وَتَطَاوُلُ الرُّعَاةِ. فَإِنْ قِيلَ الْأَشْرَاطُ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْمَذْكُورُ هُنَا اثْنَانِ، أَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ: بِأَنَّهُ قَدْ تُسْتَقْرَضُ الْقِلَّةُ لِلْكَثْرَةِ، وَبِالْعَكْسِ.


(١) لاينبغي الجزم بوقوع هذا من عيسى، لأن كلام الشعبي لاتقوم به حجة. وإن كان نقله عن بني إسرائيل فكذلك. وإنما يذكر مثل هذا بصيغة التمريض كما هو المقررفي علم مصطلح الحديث. والله أعلم