للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالضَّرْبِ وَالِاسْتِخْدَامِ. فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ رَبُّهَا مَجَازًا لِذَلِكَ. أَوِ الْمُرَادُ بِالرَّبِّ الْمُرَبِّي فَيَكُونُ حَقِيقَةً، وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَوْجُهِ عِنْدِي لِعُمُومِهِ ; وَلِأَنَّ الْمَقَامَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حَالَةٌ تَكُونُ مَعَ كَوْنِهَا تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْأَحْوَالِ مُسْتَغْرَبَةً. وَمُحَصَّلُهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ السَّاعَةَ يَقْرُبُ قِيَامُهَا عِنْدَ انْعِكَاسِ الْأُمُورِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمُرَبَّى مُرَبِّيًا وَالسَّافِلُ عَالِيًا، وهو مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ فِي الْعَلَامَةِ الْأُخْرَى أَنْ تَصِيرَ الْحُفَاةُ مُلُوكَ الْأَرْضِ.

(تَنْبِيهَانِ): أَحَدُهُمَا قَالَ النَّوَوِيُّ: لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَلَا عَلَى جَوَازِهِ، وَقَدْ غَلِطَ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ لِكُلٍّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ ; لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا جُعِلَ عَلَامَةً عَلَى شَيْءٍ آخَرَ لَا يَدُلُّ عَلَى حَظْرٍ وَلَا إِبَاحَةٍ. الثَّانِي: يُجْمَعُ بَيْنَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ إِطْلَاقِ الرَّبِّ عَلَى السَّيِّدِ الْمَالِكِ فِي قَوْلِهِ رَبَّهَا وَبَيْنَ مَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، وهو فِي الصَّحِيحِ (١): لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ بِأَنَّ اللَّفْظَ هُنَا خَرَجَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ أَوِ الْمُرَادُ بِالرَّبِّ هُنَا الْمُرَبِّي، وَفِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ السَّيِّدُ، أَوْ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ، أَوْ مُخْتَصٌّ بِغَيْرِ الرَّسُولِ ﷺ.

قَوْلُهُ: (تَطَاوَلَ) أَيْ: تَفَاخَرُوا فِي تَطْوِيلِ الْبُنَيَانِ وَتَكَاثَرُوا بِهِ.

قَوْلُهُ: (رُعَاةَ الْإِبِلِ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ جَمْعُ رَاعٍ كَقُضَاةٍ وَقَاضٍ. وَالْبُهْمُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِفَتْحِهَا وَلَا يَتَّجِهُ مَعَ ذِكْرِ الْإِبِلِ، وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ مَعَ ذِكْرِ الشِّيَاهِ أَوْ مَعَ عَدَمِ الْإِضَافَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: رِعَاءَ الْبُهْمِ، وَمِيمُ الْبُهْمِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ يَجُوزُ ضَمُّهَا عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ الرُّعَاةِ، وَيَجُوزُ الْكَسْرُ عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ الْإِبِلِ يَعْنِي الْإِبِلَ السُّودَ، وَقِيلَ: إِنَّهَا شَرُّ الْأَلْوَانِ عِنْدَهُمْ، وَخَيْرُهَا الْحُمْرُ الَّتِي ضُرِبَ بِهَا الْمَثَلُ فَقِيلَ: خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَوَصْفُ الرُّعَاةِ بِالْبُهْمِ إِمَّا لِأَنَّهُمْ مَجْهُولُو الْأَنْسَابِ، وَمِنْهُ أُبْهِمَ الْأَمْرُ فَهُوَ مُبْهَمٌ إِذَا لَمْ تُعْرَفْ حَقِيقَتُهُ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمْ سُودُ الْأَلْوَانِ لِأَنَّ الْأُدْمَةَ غَالِبُ أَلْوَانِهِمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا شَيْءَ لَهُمْ كَقَوْلِهِ ﷺ: يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً بُهْمًا قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ نَسَبَ لَهُمُ الْإِبِلَ، فَكَيْفَ يُقال: لا شَيْءَ لَهُمْ؟ قُلْتُ: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا إِضَافَةُ اخْتِصَاصٍ لَا مِلْكٍ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ أَنَّ الرَّاعِيَ يَرْعَى لِغَيْرِهِ بِالْأُجْرَةِ، وَأَمَّا الْمَالِكُ فَقَلَّ أَنْ يُبَاشِرَ الرَّعْيَ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ فِي التَّفْسِيرِ: وَإِذَا كَانَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ، زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: الصُّمُّ الْبُكْمُ. وَقِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي وَصْفِهِمْ بِالْجَهْلِ، أَيْ: لَمْ يَسْتَعْمِلُوا أَسْمَاعَهُمْ وَلَا أَبْصَارَهُمْ فِي الشَّيْءِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ حَوَاسُّهُمْ سَلِيمَةً.

قَوْلُهُ رُءُوسُ النَّاسِ أَيْ: مُلُوكُ الْأَرْضِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ مِثْلُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ الْبَادِيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ: مَا الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ؟ قَالَ: الْعُرَيْبُ. وهو بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى التَّصْغِيرِ. وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: مِنِ انْقِلَابِ الدِّينِ تَفَصُّحُ النَّبَطِ وَاتِّخَاذُهُمُ الْقُصُورَ فِي الْأَمْصَارِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمَقْصُودُ الْإِخْبَارُ عَنْ تَبَدُّلِ الْحَالِ بِأَنْ يَسْتَوْلِيَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ عَلَى الْأَمْرِ وَيَتَمَلَّكُوا الْبِلَادَ بِالْقَهْرِ فَتَكْثُرُ أَمْوَالُهُمْ وَتَنْصَرِفُ هِمَمُهُمْ إِلَى تَشْيِيدِ الْبُنْيَانِ وَالتَّفَاخُرِ بِهِ، وَقَدْ شَاهَدْنَا ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: لَا تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ ابْنُ لُكَعٍ وَمِنْهُ: إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ - أَيْ: أُسْنِدَ - إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرُوا السَّاعَةَ وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحِ.

قَوْلُهُ: (فِي خَمْسٍ) أَيْ: عِلْمُ وَقْتِ السَّاعَةِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ خَمْسٍ. وَحَذْفُ مُتَعَلَّقِ الْجَارِّ سَائِغٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾ أَيْ: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي جُمْلَةِ تِسْعِ آيَاتٍ، وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: قَالَ فَمَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: هِيَ فِي خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا مَطْمَعَ لِأَحَدٍ فِي عِلْمِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ ﷺ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ﴾


(١) في كتاب العتق ٤٩ الباب ١٧ الحديث رقم ٢٥٥٢