بِهَذِهِ الْخَمْسِ، وهو فِي الصَّحِيحِ. قَالَ: فَمَنِ ادَّعَى عِلْمَ شَيْءٍ مِنْهَا غَيْرَ مُسْنَدَةٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَانَ كَاذِبًا فِي دَعْوَاهُ. قَالَ: وَأَمَّا ظَنُّ الْغَيْبِ فَقَدْ يَجُوزُ مِنَ الْمُنَجِّمِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ عَنْ أَمْرٍ عَادِيٍّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلْمٍ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ وَالْجُعْلِ وَإِعْطَائِهَا فِي ذَلِكَ، وَجَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أُوتِيَ نَبِيُّكُمْ ﷺ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَى هَذِهِ الْخَمْسِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ أَخْرَجَهُمَا أَحْمَدُ، وَأَخْرَجَ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْعِلْمَ بِوَقْتِ الْكُسُوفِ قَبْلَ ظُهُورِهِ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّمَا الْغَيْبُ خَمْسٌ - وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ - وَمَا عَدَا ذَلِكَ غَيْبٌ يَعْلَمُهُ قَوْمٌ وَيَجْهَلُهُ قَوْمٌ.
(تَنْبِيهٌ): تَضَمَّنَ الْجَوَابُ زِيَادَةً عَلَى السُّؤَالِ لِلِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ إِرْشَادًا لِلْأُمَّةِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ فِي الْآيَة أَدَاةُ حَصْرٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، أَجَابَ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ الْفِعْلَ إِذَا كَانَ عَظِيمَ الْخَطَرِ وَمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْفِعْلُ رَفِيعُ الشَّأْنِ فُهِمَ مِنْهُ الْحَصْرُ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا لُوحِظَ مَا ذُكِرَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ مِنْ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَدَّعُونَ عِلْمَ نُزُولِ الْغَيْثِ. فَيُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ نَفْيُ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ وَاخْتِصَاصُهُ بِاللَّهِ ﷾.
(فَائِدَةٌ): النُّكْتَةُ فِي الْعُدُولِ عَنِ الْإِثْبَاتِ إِلَى النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ وَكَذَا التَّعْبِيرُ بِالدِّرَايَةِ دُونَ الْعِلْمِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّعْمِيمِ، إِذِ الدِّرَايَةُ اكْتِسَابُ عِلْمِ الشَّيْءِ بِحِيلَةٍ، فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ مُخْتَصَّاتِهَا وَلَمْ تَقَعْ مِنْهُ عَلَى عِلْمٍ كَانَ عَدَمُ اطِّلَاعِهَا عَلَى عِلْمِ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى. اهـ مُلَخَّصًا مِنْ كَلَامِ الطِّيبِيِّ.
قَوْلُهُ: (الْآيَةَ) أَيْ: تَلَا الْآيَةَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ. وَلِمُسْلِمٍ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿خَبِيرٌ﴾ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ. وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ قَوْلِهِ إِلَى الْأَرْحَامِ فَهُوَ تَقْصِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَالسِّيَاقُ يُرْشِدُ إِلَى أَنَّهُ تَلَا الْآيَةَ كُلَّهَا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ: رُدُّوهُ) زَادَ فِي التَّفْسِيرِ: فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا. فِيهِ أَنَّ الْمَلَكَ يَجُوزُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لِغَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ فَيَرَاهُ وَيَتَكَلَّمُ بِحَضْرَتِهِ، وهو يَسْمَعُ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ كَلَامَ الْمَلَائِكَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ) فِي التَّفْسِيرِ لِيُعَلِّمَ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ: أَرَادَ أَنْ تَعْلَمُوا إِذَا لَمْ تَسْأَلُوا وَمِثْلُهُ لِعُمَارَةَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ: وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا كُنْتُ بِأَعْلَمَ بِهِ مِنْ رَجُلٍ مِنْكُمْ، وَإِنَّهُ لَجِبْرِيلُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ: ثُمَّ وَلَّى فَلَمَّا لَمْ نَرَ طَرِيقَهُ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: سُبْحَانَ اللَّهُ، هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا جَاءَنِي قَطُّ وإِلَّا وَأَنَا أَعْرِفُهُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَرَّةُ، وَفِي رِوَايَةِ التَّيْمِيِّ: ثُمَّ نَهَضَ فَوَلَّى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَلَيَّ بِالرَّجُلِ، فَطَلَبْنَاهُ كُلَّ مَطْلَبٍ فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ. فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ لِيُعَلِّمَكُمْ دِينَكُمْ، خُذُوا عَنْهُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا شُبِّهَ عَلَيَّ مُنْذُ أَتَانِي قَبْلَ مَرَّتِي هَذِهِ، وَمَا عَرَفْتُهُ حَتَّى وَلَّى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ تَفَرَّدَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ بِقَوْلِهِ خُذُوا عَنْهُ. قُلْتُ: وهو مِنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، وَفِي قَوْلِهِ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ إِشَارَةٌ إِلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ، فَمَا تَفَرَّدَ إِلَّا بِالتَّصْرِيحِ، وَإِسْنَادُ التَّعْلِيمِ إِلَى جِبْرِيلَ مَجَازِيٌّ ; لِأَنَّهُ كَانَ السَّبَبَ فِي الْجَوَابِ، فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِالْأَخْذِ عَنْهُ. وَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَ الصَّحَابَةَ بِشَأْنِهِ بَعْدَ أَنِ الْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ كَهْمَسٍ: ثُمَّ انْطَلَقَ، قَالَ عُمَرُ: فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ ; فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا أَيْ: زَمَانًا بَعْدَ انْصِرَافِهِ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتٍ، وَلَكِنَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ. لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ، وَالتِّرْمِذِيِّ: فَلَبِثْتُ ثَلَاثًا لَكِنِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ فِيهَا التَّصْحِيفَ، وَأَنَّ مَلِيًّا صُغِّرَتْ مِيمُهَا فَأَشْبَهَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّهَا تُكْتَبُ بِلَا أَلِفٍ، وَهَذِهِ الدَّعْوَى مَرْدُودَةٌ، فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute