للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْخَوْضِ فِي شَرْحِ الْخَمْسِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنْ أُشِيرَ إِلَى شَرْحِ الْعَشْرِ الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا: فَأَمَّا الْوُضُوءُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ وَالِاسْتِنْجَاءُ وَالسِّوَاكُ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ فَتَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَأَمَّا إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ فَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، وَأَمَّا الْفَرْقُ فَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ، وَأَمَّا غَسْلُ الْبَرَاجِمِ فَهُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمَّتَيْنِ وَهِيَ عُقَدُ الْأَصَابِعِ الَّتِي فِي ظَهْرِ الْكَفِّ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَتَّسِخُ وَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْوَسَخُ وَلَا سِيَّمَا مِمَّنْ لَا يَكُونُ طَرِيَّ الْبَدَنِ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: كَانَتِ الْعَرَبُ لَا تَغْسِلُ الْيَدَ عَقِبَ الطَّعَامِ فَيَجْتَمِعُ فِي تِلْكَ الْغُضُونِ وَسَخٌ، فَأَمَرَ بِغَسْلِهَا.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهِيَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالْوُضُوءِ، يَعْنِي أَنَّهَا يُحْتَاجُ إِلَى غَسْلِهَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفِ، وَقَدْ أَلْحَقَ بِهَا إِزَالَةَ مَا يَجْتَمِعُ مِنَ الْوَسَخِ فِي مَعَاطِفِ الْأُذُنِ وَقَعْرِ الصِّمَاخِ فَإِنَّ فِي بَقَائِهِ إِضْرَارًا بِالسَّمْعِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ بِتَعَاهُدِ الْبَرَاجِمِ عِنْدَ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْوَسَخَ إِلَيْهَا سَرِيعٌ وَلِلتِّرْمِذِيِّ الْحَكِيمِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ رَفَعَهُ: قُصُّوا أَظْفَارَكُمْ، وَادْفِنُوا قُلَامَاتِكُمْ، وَنَقُّوا بِرَاجِمَكُمْ، وَفِي سَنَدِهِ رَاوٍ مَجْهُولٌ. وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: وَلِمَ لَا يُبْطِئُ عَنِّي وَأَنْتُمْ لَا تَسْتَنُّونَ - أَيْ لَا تَسْتَاكُونَ - وَلَا تَقُصُّونَ شَوَارِبَكُمْ وَلَا تُنَقُّونَ رَوَاجِبَكُمْ وَالرَّوَاجِبُ جَمْعُ رَاجِبَةٍ بِجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْبَرَاجِمُ وَالرَّوَاجِبُ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ كُلُّهَا. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْبُرْجَمَةُ الْمِفْصَلُ الْبَاطِنُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَالرَّوَاجِبُ بَوَاطِنُ مَفَاصِلِ أُصُولِ الْأَصَابِعِ، وَقِيلَ قَصَبُ الْأَصَابِعِ، وَقِيلَ هِيَ ظُهُورُ السُّلَامَيَاتِ، وَقِيلَ مَا بَيْنَ الْبَرَاجِمِ مِنَ السُّلَامَيَاتِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الرَّاجِبَةُ الْبُقْعَةُ الْمَلْسَاءُ الَّتِي بَيْنَ الْبَرَاجِمِ، وَالْبَرَاجِمُ الْمُسَبِّحَاتُ مِنْ مَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ، وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ ثَلَاثُ بُرْجُمَاتٍ إِلَّا الْإِبْهَامَ فَلَهَا بُرْجُمَتَانِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الرَّوَاجِبُ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ اللَّاتِي تَلِي الْأَنَامِلَ، ثُمَّ الْبَرَاجِمُ، ثُمَّ الْأَشَاجِعُ اللَّاتِي عَلَى الْكَفِّ.

وَقَالَ أَيْضًا: الرَّوَاجِبُ رُؤوسُ السُّلَامَيَاتِ مِنْ ظَهْرِ الْكَفِّ، إِذَا قَبَضَ الْقَابِضُ كَفَّهُ نَشَزَتْ وَارْتَفَعَتْ، وَالْأَشَاجِعُ أُصُولُ الْأَصَابِعِ الَّتِي تَتَّصِلُ بِعَصَبِ ظَاهِرِ الْكَفِّ، وَاحِدُهَا أَشْجَعُ، وَقِيلَ هِيَ عُرُوقُ ظَاهِرِ الْكَفِّ، وَأَمَّا الِانْتِضَاحُ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ: هُوَ أَنْ يَأْخُذَ قَلِيلًا مِنَ الْمَاءِ فَيَنْضَحَ بِهِ مَذَاكِيرَهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِيَنْفِيَ عَنْهُ الْوَسْوَاسَ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: انتِضَاحُ الْمَاءِ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ، وَأَصْلُهُ مِنَ النَّضْحِ وَهُوَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ، فَعَلَى هَذَا هُوَ وَالِاسْتِنْجَاءُ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ غَيْرُهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ أَوْ سُفْيَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَانْتَضَحَ بِهَا وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي أَجِدُ بَلَلًا إِذَا قُمْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: انْضَحْ بِمَاءٍ، فَإِذَا وَجَدْتَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَقُلْ هُوَ مِنْهُ.

وَأَمَّا الْخِصَالُ الْوَارِدَةُ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ لِمْ يَرِدِ التَّصْرِيحُ فِيهَا بِلَفْظِ الْفِطْرَةِ فَكَثِيرَةٌ، مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ رَفَعَهُ: أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ: الْحَيَاءُ، وَالتَّعَطُّرُ، وَالسِّوَاكُ، وَالنِّكَاحُ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ الْحَيَاءِ فَقِيلَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ الْخَفِيفَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ: الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَقِيلَ هِيَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ هِيَ خَصْلَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِتَحْسِينِ الْخُلُقِ، وَعَلَى الثَّانِي هِيَ خَصْلَةٌ حِسِّيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِتَحْسِينِ الْبَدَنِ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ مِنْ طَرِيقِ فُلَيْحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ: خَمْسٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ، فَذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ إِلَّا النِّكَاحَ وَزَادَ الْحِلْمَ وَالْحِجَامَةَ، وَالْحِلْمُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَهُوَ مِمَّا يُقَوِّي الضَّبْطَ الْأَوَّلَ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ، وَإِذَا تُتُبِّعَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ