الضَّرْبِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِالتَّأْخِيرِ، وَزَيَّفَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا يَجِبُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنَ أَهْلِ الْعِبَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَدَنِ فَكَيْفَ مَعَ الْأَلَمِ، قَالَ: وَلَا يَرِدُ وُجُوبُ الْعِدَّةِ عَلَى الصَّبِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَعَبٌ بَلْ هُوَ مُضِيُّ زَمَانٍ مَحْضٍ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ: فِي خِتَانِ الصَّبِيِّ وَهُوَ صَغِيرٌ مَصْلَحَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْجِلْدَ بَعْدَ التَّمْيِيزِ يَغْلُظُ وَيَخْشُنُ فَمِنْ ثَمَّ جَوَّزَ الْأَئِمَّةُ الْخِتَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ وَمَالِكٍ كَرَاهَةَ الْخِتَانِ يَوْمَ السَّابِعِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَحْسُنُ إِذَا أَثْغَرَ أَيْ أَلْقَى ثَغْرَهُ وَهُوَ مُقَدَّمُ أَسْنَانِهِ، وَذَلِكَ يَكُونُ فِي السَّبْعِ سِنِينَ وَمَا حَوْلَهَا، وَعَنِ اللَّيْثِ يُسْتَحَبُّ مَا بَيْنَ سَبْعِ سِنِينَ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، وَعَنِ أَحْمَدَ لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَبْعٌ مِنَ السُّنَّةِ فِي الصَّبِيِّ يُسَمَّى فِي السَّابِعِ وَيُخْتَنُ الْحَدِيثَ وَقَدْ قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ فِي كِتَابِ الْعَقِيقَةِ وَأَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَتَنَ حَسَنًا وَحُسَيْنًا لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ قَالَ الْوَلِيدُ: فَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهُ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، وَلَكِنَّ الْخِتَانَ طُهْرَةٌ فَكُلَّمَا قَدَّمَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ جَابِرٍ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ ﵇ خَتَنَ إِسْحَاقَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ. وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي أَبْوَابِ الْوَلِيمَةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ مَشْرُوعِيَّةَ الدَّعْوَةِ فِي الْخِتَانِ، وَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ دُعِيَ إِلَى خِتَانٍ فَقَالَ مَا كُنَّا نَأْتِي الْخِتَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَا نُدْعَى لَهُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ رِوَايَةٍ فَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ خِتَانَ جَارِيَةٍ. وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ أَنَّ السُّنَّةَ إِظْهَارُ خِتَانِ الذَّكَرِ وَإِخْفَاءُ خِتَانِ الْأُنْثَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِحْدَادُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْحَدِيدِ وَالْمُرَادُ بِهِ اسْتِعْمَالُ الْمُوسَى فِي حَلْقِ الشَّعْرِ مِنْ مَكَانٍ مَخْصُوصٍ مِنَ الْجَسَدِ، قِيلَ وَفِي التَّعْبِيرِ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ مَشْرُوعِيَّةُ الْكِنَايَةِ عَمَّا يُسْتَحَى مِنْهُ إِذَا حَصَلَ الْإِفْهَامُ بِهَا وَأَغْنَى عَنِ التَّصْرِيحِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا التَّعْبِيرُ بِحَلْقِ الْعَانَةِ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنْسٍ الْمُشَارِ إِلَيْهِمَا مِنْ قَبْلُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ بِالْعَانَةِ الشَّعْرُ الَّذِي فَوْقَ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَحَوَالَيْهِ، وَكَذَا الشَّعْرُ الَّذِي حَوَالَيْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ الشَّعْرُ النَّابِتُ حَوْلَ حَلْقَةِ الدُّبُرِ فَتَحَصَّلَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا اسْتِحْبَابُ حَلْقِ جَمِيعِ مَا عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَحَوْلَهُمَا ; قَالَ: وَذَكَرَ الْحَلْقَ لِكَوْنِهِ هُوَ الْأَغْلَبُ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْإِزَالَةُ بِالنَّوْرَةِ وَالنَّتْفِ وَغَيْرِهِمَا.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: الْعَانَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الرَّكَبِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْكَافِ وَهُوَ مَا انْحَدَرَ مِنَ الْبَطْنِ فَكَانَت تَحْتَ الثَّنْيَةِ وَفَوْقَ الْفَرْجِ، وَقِيلَ لِكُلِّ فَخِذٍ رَكَبٌ، وَقِيلَ ظَاهِرُ الْفَرْجِ وَقِيلَ الْفَرْجُ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، قَالَ: وَيُسْتَحَبُّ إِمَاطَةُ الشَّعْرِ عَنِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ بَلْ هُوَ مِنَ الدُّبُرِ أَوْلَى خَوْفًا مِنْ أنْ يَعْلَقَ شَيْءٌ مِنَ الْغَائِطِ فَلَا يُزِيلُهُ الْمُسْتَنْجِي إِلَّا بِالْمَاءِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِزَالَتِهِ بِالِاسْتِجْمَارِ، قَالَ: وَيَقُومُ التَّنَوُّرُ مَكَانَ الْحَلْقِ وَكَذَلِكَ النَّتْفُ وَالْقَصُّ، وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ أَخْذِ الْعَانَةِ بِالْمِقْرَاضِ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَ، قِيلَ: فَالنَّتْفُ؟ قَالَ: وَهَلْ يَقْوَى عَلَى هَذَا أَحَدٌ؟ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْعَانَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْفَرْجِ، وَقِيلَ هُوَ مَنْبَتُ الشَّعْرِ، قَالَ: وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْخَبَرِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: شَعْرُ الْعَانَةِ أَوْلَى الشُّعُورِ بِالْإِزَالَةِ لِأَنَّهُ يُكَثَّفُ وَيَتَلَبَّدُ فِيهِ الْوَسَخُ، بِخِلَافِ شَعْرِ الْإِبْطِ.
قَالَ: وَأَمَّا حَلْقُ مَا حَوْلَ الدُّبُرِ فَلَا يُشْرَعُ، وَكَذَا قَالَ الْفَاكِهِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَذَا قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْمَنْعِ مُسْتَنَدًا، وَالَّذِي اسْتَنَدَ إِلَيْهِ أَبُو شَامَةَ قَوِيٌّ، بَلْ رُبَّمَا تُصُوِّرَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ مَنْ تَعَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ، كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا الْقَلِيلَ وَأَمْكَنَهُ أَنْ لَوْ حَلَقَ الشَّعْرَ أَنْ لَا يَعْلَقَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْغَائِطِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute