للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى غَسْلِهِ وَلَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ زَائِدٌ عَلَى قَدْرِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: كَأَنَّ الَّذِي ذَهَبَ إِلَى اسْتِحْبَابِ حَلْقِ مَا حَوْلَ الدُّبُرِ ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، قَالَ: وَالْأَوْلَى فِي إِزَالَةِ الشَّعْرِ هُنَا الْحَلْقُ اتِّبَاعًا، وَيَجُوزُ النَّتْفُ، بِخِلَافِ الْإِبْطِ فَإِنَّهُ بِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ تُحْتَبَسُ تَحْتَهُ الْأَبْخِرَةُ بِخِلَافِ الْعَانَةِ، وَالشَّعْرُ مِنَ الْإِبْطِ بِالنَّتْفِ يَضْعُفُ وَبِالْحَلْقِ يَقْوَى فَجَاءَ الْحُكْمُ فِي كُلٍّ مِنَ الْمَوْضِعَيْنِ بِالْمُنَاسِبِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: السُّنَّةُ فِي إِزَالَةِ شَعْرِ الْعَانَةِ الْحَلْقُ بِالْمُوسَى فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا، وَقَدْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ جَابِرٍ فِي النَّهْيِ عَنْ طُرُوقِ النِّسَاءِ لَيْلًا حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي النِّكَاحِ، لَكِنْ يَتَأَدَّى أَصْلُ السُّنَّةِ بِالْإِزَالَةِ بِكُلِّ مُزِيلٍ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا: وَالْأَوْلَى فِي حَقِّ الرَّجُلِ الْحَلْقُ وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ النَّتْفُ.

وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْأَلَمِ وَعَلَى الزَّوْجِ بِاسْتِرْخَاءِ الْمَحَلِّ فَإِنَّ النَّتْفَ يُرْخِي الْمَحَلَّ بِاتِّفَاقِ الْأَطِبَّاءِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إِنَّ بَعْضَهُمْ مَالَ إِلَى تَرْجِيحِ الْحَلْقِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ النَّتْفَ يُرْخِي الْمَحَلَّ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنْ كَانَتْ شَابَّةً فَالنَّتْفُ فِي حَقِّهَا أَوْلَى لِأَنَّهُ يَرْبُو مَكَانَ النَّتْفِ، وَإِنْ كَانَتْ كَهْلَ فَالْأَوْلَى فِي حَقِّهَا الْحَلْقُ لِأَنَّ النَّتْفَ يُرْخِي الْمَحَلَّ، وَلَوْ قِيلَ الْأَوْلَى فِي حَقِّهَا التَّنَوُّرُ مُطْلَقًا لِمَا كَانَ بَعِيدًا، وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي وُجُوبِ الْإِزَالَةِ عَلَيْهَا إِذَا طُلِبَ ذَلِكَ مِنْهَا وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ، وَيَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي نَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَيْضًا بِأَنَّ نَتْفَ الْإِبْطِ وَحَلْقَهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَاطَاهُ الْأَجْنَبِيُّ، بِخِلَافِ حَلْقِ الْعَانَةِ فَيَحْرُمُ إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْمَسُّ وَالنَّظَرُ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ. وَأَمَّا التَّنَوُّرُ فَسُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ فَأَجَازَهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَفْعَلَهُ، وَفِيهِ حَدِيثٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلَكِنَّهُ أَعَلَّهُ بِالْإِرْسَالِ، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ صِحَّتَهُ وَلَفْظَهُ أَنَّ النَّبِيَّ إِذَا طَّلَى وَلِيَ عَانَتَهُ بِيَدِهِ وَمُقَابِلُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ لَا يَتَنَوَّرُ، وَكَانَ إِذَا كَثُرَ شَعْرُهُ حَلَقَهُ وَلَكِنْ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا.

قَوْلُهُ: (وَنَتْفُ الْإِبْطِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْآبَاطُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَالْإِبْطُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَصَوَّبَهُ الْجَوَالِيقِيُّ، وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَتَأَبَّطَ الشَّيْءَ وَضَعَهُ تَحْتَ إِبْطِهِ. وَالْمُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ فِيهِ بِالْيُمْنَى، وَيَتَأَدَّى أَصْلُ السُّنَّةِ بِالْحَلْقِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ يُؤْلِمُهُ النَّتْفُ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَرَجُلٌ يَحْلِقُ إِبْطَهُ فَقَالَ: إِنِّي عَلِمْتُ أَنَّ السُّنَّةَ النَّتْفُ، وَلَكِنْ لَا أَقْوَى عَلَى الْوَجَعِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ الِابْتِدَاءِ مُوجِعٌ وَلَكِنْ يَسْهُلُ عَلَى مَنِ اعْتَادَهُ، قَالَ: وَالْحَلْقُ كَافٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّظَافَةُ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي نَتْفِهِ أَنَّهُ مَحَلٌّ لِلرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَإِنَّمَا يَنْشَأُ ذَلِكَ مِنَ الْوَسَخِ الَّذِي يَجْتَمِعُ بِالْعَرَقِ فِيهِ فَيَتَلَبَّدُ وَيَهِيجُ، فَشُرِعَ فِيهِ النَّتْفُ الَّذِي يُضْعِفُهُ فَتَخِفُّ الرَّائِحَةُ بِهِ، بِخِلَافِ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي الشَّعْرَ وَيُهَيِّجُهُ فَتَكْثُرُ الرَّائِحَةُ لِذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مَنْ نَظَرَ إِلَى اللَّفْظِ وَقَفَ مَعَ النَّتْفِ، وَمَنْ نَظَرَ إِلَى الْمَعْنَى أَجَازَهُ بِكُلِّ مُزِيلٍ، لَكِنْ بَيَّنَ أَنَّ النَّتْفَ مَقْصُودٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، قَالَ: وَهُوَ مَعْنًى ظَاهِرٌ لَا يُهْمَلُ فَإِنَّ مَوْرِدَ النَّصِّ إِذَا احْتَمَلَ مَعْنًى مُنَاسِبًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا فِي الْحُكْمِ لَا يُتْرَكُ وَالَّذِي يَقُومُ مَقَامَ النَّتْفِ فِي ذَلِكَ التَّنَوُّرُ لَكِنَّهُ يُرِقُّ الْجِلْدَ فَقَدْ يَتَأَذَّى صَاحِبُهُ بِهِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ جِلْدُهُ رَقِيقًا، وَتُسْتَحَبُّ الْبَدَاءَةُ فِي إِزَالَتِهِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، وَيُزِيلُ مَا فِي الْيُمْنَى بِأَصَابِعِ الْيُسْرَى وَكَذَا الأظفار الْيُسْرَى إِنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَبِالْيُمْنَى.

قَوْلُهُ: (وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ) وَهُوَ تَفْعِيلٌ مِنَ الْقَلْمِ وَهُوَ الْقَطْعُ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَصُّ الْأَظْفَارِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ تَقْلِيمٍ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ قَصُّ الْأَظْفَارِ وَالتَّقْلِيمُ أَعَمُّ، وَالْأَظْفَارُ جَمْعُ ظُفُرٍ بِضَمِّ الظَّاءِ وَالْفَاءِ وَبِسُكُونِهَا، وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ وكَسْرَ أَوَّلِهِ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا قِرَاءَةُ الْحَسَنِ، وَعَنْ أَبِي السَّمَّاكِ أَنَّهُ