للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قُرِئَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ، وَالْمُرَادُ إِزَالَةُ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُلَابِسُ رَأْسَ الْإِصْبَعِ مِنَ الظُّفُرِ، لِأَنَّ الْوَسَخَ يَجْتَمِعُ فِيهِ فَيُسْتَقْذَرُ، وَقَدْ يَنْتَهِي إِلَى حَدٍّ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الطَّهَارَةِ، وَقَدْ حَكَى أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ وَجْهَيْنِ: فَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ الْوُضُوءَ حِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ، وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ بِأَنَّهُ يُعْفَى عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ غَالِبَ الْأَعْرَابِ لَا يَتَعَاهَدُونَ ذَلِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْآثَارِ أَمْرُهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لَكِنْ قَدْ يُتعَلَّقُ بِالظُّفُرِ إِذَا طَالَ النَّجْوُ لِمَنِ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ وَلَمْ يُمْعِنْ غَسْلَهُ فَيَكُونُ إِذَا صَلَّى حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَاةً فَأَوْهَمَ فِيهَا، فَسُئِلَ فَقَالَ: مَا لِي لَا أُوهَمُ وَرُفْغُ أَحَدِكُمْ بَيْنَ ظُفْرِهِ وَأُنْمُلَتِهِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ إِرْسَالِهِ، وَقَدْ وَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.

وَالرُّفْغُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهَا غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ يُجمَعُ عَلَى أَرْفَاغٍ وَهِيَ مَغَابِنُ الْجَسَدِ كَالْإِبْطِ وَمَا بَيْنَ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَسَخُ، فَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ، وَالتَّقْدِيرُ وَسَخُ رُفْغِ أَحَدِكُمْ، وَالْمَعْنَى أَنَّكُمْ لَا تُقَلِّمُونَ أَظْافرَكُمْ ثُمَّ تَحُكُّونَ بِهَا أَرْفَاغَكُمْ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا مَا فِي الْأَرْفَاغِ مِنَ الْأَوْسَاخِ الْمُجْتَمِعَةِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ طُولَ الْأَظْفَارِ وَتَرْكَ قَصِّهَا. قُلْتُ: وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى النَّدْبِ إِلَى تَنْظِيفِ الْمَغَابِنِ كُلِّهَا، وَيُسْتَحَبُّ الِاسْتِقْصَاءُ فِي إِزَالَتِهَا إِلَى حَدٍّ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ ضَرَرٌ عَلَى الْإصْبُعِ، وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُبْقِيَ شَيْئًا لِحَاجَتِهِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ لِذَلِكَ غَالِبًا. وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَرْتِيبِ الْأَصَابِعِ عِنْدَ الْقَصِّ شَيْءٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ، لَكِنْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِمُسَبِّحَةِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ الْخِنْصَرِ ثُمَّ الْإِبْهَامِ، وَفِي الْيُسْرَى بِالْبَدَاءَةُ بِخِنْصِرِهَا ثُمَّ بِالْبِنْصِرِ إِلَى الْإِبْهَامِ، وَيَبْدَأُ فِي الرِّجْلَيْنِ بِخِنْصِرِ الْيُمْنَى إِلَى الْإِبْهَامِ، وَفِي الْيُسْرَى بِإِبْهَامِهَا إِلَى الْخِنْصِرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلِاسْتِحْبَابِ مُسْتَنَدًا. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنِ الْغَزَالِيِّ وَأَنَّ الْمَازِرِيَّ اشْتَدَّ إِنْكَارُهُ عَلَيْهِ فِيهِ: لَا بَأْسَ بِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ إِلَّا فِي تَأْخِيرِ إِبْهَامِ الْيَدِ الْيُمْنَى فَالْأَوْلَى أَنْ تُقَدَّمَ الْيُمْنَى بِكَمَالِهَا عَلَى الْيُسْرَى، قَالَ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فَلَا أَصْلَ لَهُ اهـ.

وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَحْتَاجُ مَنِ ادَّعَى اسْتِحْبَابَ تَقْدِيمِ الْيَدِ فِي الْقَصِّ عَلَى الرِّجْلِ إِلَى دَلِيلٍ، فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ يَأْبَى ذَلِكَ. قُلْتُ: يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْوُضُوءِ وَالْجَامِعُ والتَّنْظِيفُ، وَتَوْجِيهُ الْبَدَاءَةِ بِالْيُمْنَى لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي مَرَّ فِي الطَّهَارَةِ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ وَالْبَدَاءَةُ بِالْمُسَبِّحَةِ مِنْهَا لِكَوْنِهَا أَشْرَفُ الْأَصَابِعِ لِأَنَّهَا آلَةُ التَّشَهُّدِ، وَأَمَّا اتِّبَاعُهَا بِالْوُسْطَى فَلِأَنَّ غَالِبَ مَنْ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يُقَلِّمُهَا من قَبْلَ ظَهْرِ الْكَفِّ فَتَكُونُ الْوُسْطَى جِهَةَ يَمِينِهِ فَيَسْتَمِرُّ إِلَى أَنْ يَخْتِمَ بِالْخِنْصَرِ ثُمَّ يُكْمِلُ الْيَدَ بِقَصِّ الْإِبْهَامِ، وَأَمَّا الْيُسْرَى فَإِذَا بَدَأَ بِالْخِنْصَرِ لَزِمَ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى جِهَةِ الْيَمِينِ إِلَى الْإِبْهَامِ، قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَوْ أَخَّرَ إِبْهَامَ الْيُمْنَى لِيَخْتِمَ بِهَا وَيَكُونَ قَدِ اسْتَمَرَّ عَلَى الِانْتِقَالِ إِلَى جِهَةِ الْيُمْنَى، وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ لِحَظِّ فَصْلِ كُلِّ يَدٍ عَنِ الْأُخْرَى، وَهَذَا التَّوْجِيهُ فِي الْيَدِينِ يُعَكِّرُ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي الرِّجْلَيْنِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ غَالِبُ مَنْ يُقَلِّمُ أَظْفَارَ رِجْلَيْهِ يُقَلِّمُهَا مِنْ جِهَةِ بَاطِنِ الْقَدَمَيْنِ فَيَسْتَمِرُّ التَّوْجِيهُ.

وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْإِقْلِيدِ قَضِيَّةُ الْأَخْذِ فِي ذَلِكَ بِالتَّيَامُنِ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصِرِ الْيُمْنَى إِلَى أَنْ يَنْتَهِي إِلَى خِنْصِرِ الْيُسْرَى فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مَعًا، وَكَأَنَّهُ لِحَظِّ أَنَّ الْقَصَّ يَقَعُ مِنْ بَاطِنِ الْكَفَّيْنِ أَيْضًا، وَذَكَرَ الدِّمْيَاطِيُّ أَنَّهُ تَلَقَّى عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ مَنْ قَصَّ أَظْافرَهُ مُخَالِفًا لَمْ يُصِبْهُ رَمَدٌ وَأَنَّهُ جَرَّبَ ذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى اسْتِحْبَابِ قَصِّهَا مُخَالِفًا، وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ فَقَالَ: يَبْدَأُ بِخِنْصِرِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ السَّبَّابَةِ، وَيَبْدَأُ بِإِبْهَامِ الْيُسْرَى عَلَى الْعَكْسِ مِنَ الْيُمْنَى، وَقَدْ أَنْكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الْهَيْئَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهُ وَإِحْدَاثُ اسْتِحْبَابٍ