للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سَمِعْتُهُ مِنَ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ أَبِي، كَانَ صَدِيقًا لَهُ بِالشَّامِ، وهو عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ ﷿ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ قال: حدثنا سُهَيْلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَهُ، وهو يُحَدِّثُ أَبَا صَالِحٍ فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثِ: إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا الْحَدِيثَ. قال: فقال عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ: سَمِعْتُ تَمِيمًا الدَّارِيَّ يَقُولُ. . . فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّصِيحَةِ. وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ النَّصِيحَةِ عَنْ سُهَيْلٍ، عن أبيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وهو وَهْمٌ مِنْ سُهَيْلٍ أَوْ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ لِمَا بَيَّنَّاهُ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ: لَا يَصِحُّ إِلَّا عَنْ تَمِيمٍ. وَلِهَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى سُهَيْلٍ لَمْ يُخَرِّجْهُ فِي صَحِيحِهِ، بَلْ لَمْ يَحْتَجَّ فِيهِ بِسُهَيْلٍ أَصْلًا.

وَلِلْحَدِيثِ طُرُقٌ دُونَ هَذِهِ فِي الْقُوَّةِ، مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ بَيَّنْتُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ.

قَوْلُهُ: (الدِّينُ: النَّصِيحَةُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، أَيْ: مُعْظَمُ الدِّينِ النَّصِيحَةُ، كَمَا قِيلَ فِي حَدِيثِ: الْحَجُّ عَرَفَةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَمْ يُرِدْ بِهِ عَامِلُهُ الْإِخْلَاصَ فَلَيْسَ مِنَ الدِّينِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: النَّصِيحَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ نَصَحْتُ الْعَسَلَ إِذَا صَفَّيْتُهُ، يُقَالُ: نَصَحَ الشَّيْءَ إِذَا خَلُصَ، وَنَصَحَ لَهُ الْقَوْلَ إِذَا أَخْلَصَهُ لَهُ. أَوْ مُشْتَقَّةٌ مِنَ النُّصْحِ وَهِيَ الْخِيَاطَةٌ بِالْمِنْصَحَةِ وَهِيَ الْإِبْرَةُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَلُمُّ شَعَثَ أَخِيهِ بِالنُّصْحِ كَمَا تَلُمُّ الْمِنْصَحَةَ، وَمِنْهُ التَّوْبَةُ النَّصُوحُ، كَأَنَّ الذَّنْبَ يُمَزِّقُ الدِّينَ وَالتَّوْبَةُ تَخِيطُهُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: النَّصِيحَةُ كِلْمَةٌ جَامِعَةٌ مَعْنَاهَا حِيَازَةُ الْحَظِّ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ، وَهِيَ مِنْ وَجِيزِ الْكَلَامِ، بَلْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ كِلْمَةٌ مُفْرَدَةٌ تُسْتَوْفَى بِهَا الْعِبَارَةَ عَنْ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي قِيلَ فِيهَا: إِنَّهَا أَحَدُ أَرْبَاعِ الدِّينِ، وَمِمَّنْ عَدَّهُ فِيهَا الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ الطُّوسِيُّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: بَلْ هُوَ وَحْدَهُ مُحَصِّلٌ لِغَرَضِ الدِّينِ كُلِّهِ ; لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي الْأُمُورِ الَّتِي ذَكَرَهَا: فَالنَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَصْفُهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَالْخُضُوعُ لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالرَّغْبَةُ فِي مَحَابِّهِ بِفِعْلِ طَاعَتِهِ، وَالرَّهْبَةُ مِنْ مَسَاخِطِهِ بِتَرْكِ مَعْصِيَتِهِ، وَالْجِهَادُ فِي رَدِّ الْعَاصِينَ إِلَيْهِ.

وَرَوَى الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي ثُمَامَةَ صَاحِبِ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى : يَا رُوحَ اللَّهِ مَنِ النَّاصِحِ لِلَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي يُقَدِّمُ حَقَّ اللَّهِ عَلَى حَقِّ النَّاسِ. وَالنَّصِيحَةُ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَلُّمُهُ، وَتَعْلِيمُهُ، وَإِقَامَةُ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ، وَتَحْرِيُرُهَا فِي الْكِتَابَةِ، وَتَفَهُّمُ مَعَانِيهِ، وَحِفْظُ حُدُودِهِ، وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ، وَذَبُّ تَحْرِيفِ الْمُبْطِلِينَ عَنْهُ. وَالنَّصِيحَةُ لِرَسُولِهِ تَعْظِيمُهُ، وَنَصْرُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَإِحْيَاءُ سُنَّتِهِ بِتَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمِهَا، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَمَحَبَّتُهُ وَمَحَبَّةُ أَتْبَاعِهِ. وَالنَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِعَانَتُهُمْ عَلَى مَا حَمَلُوا الْقِيَامِ بِهِ، وَتَنْبِيهُهُمْ عِنْدَ الْغَفْلَةِ، وَسَدُّ خُلَّتِهِمْ عِنْدَ الْهَفْوَةِ، وَجَمْعُ الْكَلِمَةِ عَلَيْهِمْ، وَرَدُّ الْقُلُوبِ النَّافِرَةِ إِلَيْهِمْ، وَمِنْ أَعْظَمِ نَصِيحَتِهِمْ دَفْعُهُمْ عَنِ الظُّلْمِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وَمِنْ جُمْلَةِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَئِمَّةُ الِاجْتِهَادِ، وَتَقَعُ النَّصِيحَةُ لَهُمْ بِبَثِّ عُلُومِهِمْ، وَنَشْرِ مَنَاقِبِهِمْ، وَتَحْسِينِ الظَّنِّ بِهِمْ. وَالنَّصِيحَةُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ الشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ، وَالسَّعْيُ فِيمَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَيْهِمْ، وَتَعْلِيمُهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ، وَكَفُّ وُجُوهِ الْأَذَى عَنْهُمْ، وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ أُخْرَى: مِنْهَا أَنَّ الدِّينَ يُطْلَقُ عَلَى الْعَمَلِ لِكَوْنِهِ سَمَّى النَّصِيحَةَ دِينًا، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى بَنَى الْمُصَنِّفُ أَكْثَرَ كِتَابِ الْإِيمَانِ، وَمِنْهَا جَوَازُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ مِنْ قَوْلِهِ قُلْنَا لِمَنْ؟ وَمِنْهَا رَغْبَةُ السَّلَفِ فِي طَلَبِ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ، وهو مُسْتَفَادٌ مِنْ قِصَّةِ سُفْيَانَ مَعَ سُهَيْلٍ.

قَوْلُهُ: (عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ الْبَجَلِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَقَيْسٌ الرَّاوِي عَنْهُ وَإِسْمَاعِيلُ الرَّاوِي عَنْ قَيْسٍ بَجَلِيَّانِ أَيْضًا، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَكُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ.

قَوْلُهُ: (بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِشُهْرَتِهِمَا، وَلَمْ يَذْكُرِ