للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصَّوْمَ وَغَيْرَهُ لِدُخُولِ ذَلِكَ فِي السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ. قُلْتُ: زِيَادَةُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَقَعَتْ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْبُيُوعِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورِ، وَلَهُ فِي الْأَحْكَامِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ Object عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ جَدِّهِ وَزَادَ فِيهِ: فَكَانَ جَرِيرٌ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا أَوْ بَاعَ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: اعْلَمْ أَنَّ مَا أَخَذْنَا مِنْكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا أَعْطَيْنَاكَهُ فَاخْتَرْ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ أَنَّ غُلَامَهُ اشْتَرَى لَهُ فَرَسًا بِثَلَاثِمِائَةٍ، فَلَمَّا رَآهُ جَاءَ إِلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ: إِنَّ فَرَسَكَ خَيْرٌ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَزِيدُهُ حَتَّى أَعْطَاهُ ثَمَانَمِائَةٍ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَانَتْ مُبَايَعَةُ النَّبِيِّ Object لِأَصْحَابِهِ بِحَسَبِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ تَجْدِيدِ عَهْدٍ أَوْ تَوْكِيدِ أَمْرٍ، فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمْ.

وَقَوْلُهُ: فِيمَا اسْتَطَعْتُ رُوِّينَاهُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا، وَتَوْجِيهُهُمَا وَاضِحٌ، وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ اللَّازِمَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُبَايَعِ عَلَيْهَا هُوَ مَا يُطَاقُ، كَمَا هُوَ الْمُشْتَرَطُ فِي أَصْلِ التَّكْلِيفِ، وَيُشْعِرُ الْأَمْرُ بِقَوْلِ ذَلِكَ اللَّفْظِ حَالَ الْمُبَايَعَةِ بِالْعَفْوِ عَنِ الْهَفْوَةِ وَمَا يَقَعُ عَنْ خَطَأٍ وَسَهْوٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٥٨ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قال: حدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قال: سمعت جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمْ الْآنَ ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ Object قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَشَرَطَ عَلَيَّ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ.

قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) الْمَسْمُوعُ مِنْ جَرِيرٍ حَمْدَ اللَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ، فَالتَّقْدِيرُ: سَمِعْتُ جَرِيرًا حَمِدَ اللَّهَ، وَالْبَاقِي شَرْحٌ لِلْكَيْفِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ) كَانَ الْمُغِيرَةُ وَالِيًا عَلَى الْكُوفَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ خَمْسِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَاسْتَنَابَ عِنْدَ مَوْتِهِ ابْنَهُ عُرْوَةَ، وَقِيلَ: اسْتَنَابَ جَرِير الْمَذْكُورَ، وَلِهَذَا خَطَبَ الْخُطْبَةَ الْمَذْكُورَةَ، حَكَى ذَلِكَ الْعَلَائِيُّ فِي أَخْبَارِ زِيَادٍ. وَالْوَقَارُ بِالْفَتْحِ: الرَّزَانَةُ، وَالسَّكِينَةُ: السُّكُونُ. وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ مُقَدِّمًا لِتَقْوَى اللَّهِ ; لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ وَفَاةَ الْأُمَرَاءِ تُؤَدِّي إِلَى الِاضْطِرَابِ وَالْفِتْنَةِ، وَلَا سِيَّمَا مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِذْ ذَاكَ مِنْ مُخَالَفَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ) أَيْ بَدَلَ الْأَمِيرِ الَّذِي مَاتَ. وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ هُنَا، وهو أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ يَنْتَهِي بِمَجِيءِ الْأَمِيرِ لَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ بَعْدَ مَجِيءِ الْأَمِيرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَشَرْطُ اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنْ لَا يُعَارِضَهُ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ.

قَوْلُهُ: (الْآنَ) أَرَادَ بِهِ تَقْرِيبَ الْمُدَّةِ تَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ الْمُغِيرَةِ كَتَبَ إِلَى نَائِبِهِ عَلَى الْبَصْرَةِ، وهو زِيَادٌ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الْكُوفَةِ أَمِيرًا عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ) أَيِ اطْلُبُوا لَهُ الْعَفْوَ مِنَ اللَّهِ، كَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ: اسْتَغْفِرُوا بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَزِيَادَةِ رَاءٍ وَهِيَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي الْمُسْتَخْرَجِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْجَزَاءَ يَقَعُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.

قَوْلُهُ: (قلب أُبَايِعُكَ) تَرَكَ أَدَاةَ الْعَطْفِ إِمَّا لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أَتَيْتُ أَوِ اسْتِئْنَافٌ.

قَوْلُهُ: (وَالنُّصْحِ) بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى مُقَدَّرِ، أَيْ: شَرَطَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنَّصِيحَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ شَفَقَةِ الرَّسُولِ Object.

قَوْلُهُ: (عَلَى هَذَا) أَيْ: عَلَى مَا ذُكِرَ.

قَوْلُهُ: (وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ) مُشْعِرٌ بِأَنَّ خُطْبَتَهُ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ،