للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقَدْ غَفَلَ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ عَنْ ذِكْرِهِ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ لِكَوْنِهِ مُرْسَلًا، وَلَكِنْ ذَكَرُوا أَنْظَارَهُ فَيَلْزَمُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ طَرِيقٌ أُخْرَى تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُبَيْدِ عنِ عُمَيْرٍ عَنْهَما، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ، وَجَاءَ الْمَتْنُ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ بَعْدُ.

(تَنْبِيهٌ): ادَّعَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الْهِجْرَانَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ تَرْكُ السَّلَامِ إِذَا الْتَقَيَا، وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مِنْ عَائِشَةَ فِي حَقِّ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّهَا حَلَفَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ وَالْحَالِفُ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ لَا يَحْنَثَ، وَتَرْكُ السَّلَامِ دَاخِلٌ فِي تَرْكِ الْكَلَامِ، وَقَدْ نَدِمَتْ عَلَى سَلَامِهَا عَلَيْهِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا اعْتَقَدَتْ أَنَّهَا حَنِثَتْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا كَانَتْ تُعْتِقُهُ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرَةِ) أَيِ التَّذْكِيرِ بِمَا جَاءَ فِي فَضْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ وَالْعَفْوِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ.

قَوْلُهُ: (وَالتَّحْرِيجِ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ الْجِيمِ أَيِ الْوُقُوعُ فِي الْحَرَجِ وَهُوَ الضِّيقُ لِمَا وَرَدَ فِي الْقَطِيعَةِ مِنَ النَّهْيِ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ التَّخْوِيفِ.

قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَزَالَا بِهَا حَتَّى كَلَّمَتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ) فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَكَلَّمَتْهُ بَعْدَمَا خَشِيَ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ، وَقَبِلَتْ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ كَادَتْ أَنْ لَا تَقْبَلَ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً) فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ ثُمَّ بَعَثَتْ إِلَى الْيَمَنِ بِمَالٍ، فَابْتِيعَ لَهَا بِهِ أَرْبَعُونَ رَقَبَةً، فَأَعْتَقَتْهَا كَفَّارَةً لِنَذْرِهَا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ فَأَعْتَقَتْهُمْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَرْسَلَ إِلَيْهَا بِالْعَشَرَةِ أَوَّلًا، وَلَا يُنَافِي رِوَايَةَ الْبَابِ أَنْ تَكُونَ هِيَ اشْتَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَمَامَ الْأَرْبَعِينَ فَأَعْتَقَتْهُمْ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ: ثُمَّ لَمْ تَزَلْ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا) فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ: ثُمَّ سَمِعْتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَذْكُرُ نَذْرَهَا ذَلِكَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: وَدِدْتُ أَنِّي جَعَلْتُ حِينَ حَلَفْتُ عَمَلًا فَأَعْمَلُهُ فَأَفْرُغُ مِنْهُ، وَبَيَّنْتُ هُنَاكَ مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهَا هَذَا.

الحديث الثاني والثالث حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي بَابِ التَّحَاسُدِ وَأَرَادَ بِإِيرَادِهِمَا مَعًا أَنَّهُ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ شَيْخِهِ، وَأَوَّلُ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْهُ لَا يَحِلُّ لِرَجُلِ كَمَا عَلَّقَهُ أَوَّلًا، وَزَادَ فِيهِ يَلْتَقِيَانِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَيَلْتَقِيَانِ بِزِيَادَةِ فَاءٍ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) هَكَذَا اتَّفَقَ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ، وَخَالَفَهُمْ عُقَيْلٌ، فَقَالَ: عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أُبَيٍّ، وَخَالَفَهُمْ كُلَّهُمْ شَبِيبُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يُونُسَ عَنْهُ، فَقَالَ: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: أَمَّا شَبِيبٌ فَلَمْ يَضْبِطْ سَنَدَهُ، وَقَدْ ضَبَطَهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ فَسَاقَهُ عَلَى الصَّوَابِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَمَّا عُقَيْلٌ فَلَعَلَّهُ سَقَطَ عَلَيْهِ لَفْظُ أَيُّوبَ فَصَارَ عَنْ أُبَيٍّ، فَنَسَبَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، فَقَالَ ابْنُ كَعْبٍ فَوَهِمَ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَوْقَ ثَلَاثٍ) ظَاهِرُهُ إِبَاحَةُ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثِ، وَهُوَ مِنَ الرِّفْقِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ فِي طَبْعِهِ الْغَضَبُ وَسُوءُ الْخُلُقِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَزُولُ أَوْ يَقِلُّ فِي الثَّلَاثِ.

قَوْلُهُ: (فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) زَادَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الزُّهْرِيِّ: يَسْبِقُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَإِنْ مَرَّتْ بِي ثَلَاثٌ، فَلَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ فَقَدِ اشْتَرَكَا فِي الْأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بِالْإِثْمِ، وَخَرَجَ الْمُسَلِّمُ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَلِأَحْمَدَ وَالْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ فَإِنَّهُمَا نَاكِثَانِ عَنِ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى صِرَامِهِمَا، وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا يَكُونُ سَبْقُهُ كَفَّارَةً فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: فَإِنْ مَاتَا عَلَى صِرَامِهِمَا لَمْ يَدْخُلَا الْجَنَّةَ جَمِيعًا.

قَوْلُهُ: (وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ