الزُّهْرِيِّ فِي سَنَدِهِ: فَالْأَكْثَرُ عَلَى مَا قَالَ شُعَيْبٌ. وَقَالَ مَعْمَرٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بَدَلَ أَبِي بَكْرٍ مَوْصُولًا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا، وَوَافَقَ رَبَاحُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مَعْمَرٍ الْجَمَاعَةَ، وَكَذَا قَالَ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، لَكِنْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَسْوَدِ وَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَحَذَفَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، مَرْوَانَ مِنَ السَّنَدِ، وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً) أَيْ قَوْلًا صَادِقًا مُطَابِقًا لِلْحَقِّ. وَقِيلَ: أَصْلُ الْحِكْمَةِ الْمَنْعُ، فَالْمَعْنَى أنَّ مِنَ الشِّعْرِ كَلَامًا نَافِعًا يَمْنَعُ مِنَ السَّفَهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ صَخْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا، وَإِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عَيًّا. فَقَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
أَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، فَالرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ أَلْحَنُ بِالْحُجَجِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَسْحَرُ الْقَوْمَ بِبَيَانِهِ فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ. وَإن قَوْلُهُ: وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلًا فَيُكَلَّفُ الْعَالِمُ إِلَى عِلْمِهِ مَا لَا يَعْلَمْ فَيَجْهَلُ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا فَهِيَ هَذِهِ الْمَوَاعِظُ وَالْأَمْثَالُ الَّتِي يَتَّعِظُ بِهَا النَّاسُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عَيًّا فَعَرْضُكَ كَلَامَكَ عَلَى مَنْ لَا يُرِيدُهُ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: مَفْهُومُهُ أَنَّ بَعْضَ الشِّعْرِ لَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ وَابْنِ مَاجَهْ بِلَفْظِ: إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ مِثْلَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رُبَّمَا قَالَ الشَّاعِرُ الْكَلِمَةُ الْحَكِيمَةُ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مَا كَانَ فِي الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - وَتَعْظِيمٌ لَهُ وَوَحْدَانِيَّتُهُ وَإِيثَارُ طَاعَتِهِ وَالِاسْتِسْلَامُ لَهُ فَهُوَ حَسَنٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ حِكْمَةٌ، وَمَا كَانَ كَذِبًا وَفُحْشًا فَهُوَ مَذْمُومٌ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ كَرِهَ الشِّعْرَ مُطْلَقًا وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ الشِّعْرُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ تَمَثَّلَ بِأَوَّلِ بَيْتِ شِعْرٍ ثُمَّ سَكَتَ، فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ أَجِدَ فِي صَحِيفَتِي شِعْرًا، وَعَنِ أَبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ: إِنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ: رَبِّ اجْعَلْ لِي قُرْآنًا، قَالَ قُرْآنُكَ الشِّعْرُ ثُمَّ أَجَابَ عَلى ذَلِكَ بِأَنَّهَا أَخْبَارٌ وَاهِيَةٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الْهَانِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ قُوَّتِهَا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِفْرَاطِ فِيهِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ بَعْدَ بَابٍ، وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ سَائِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْتَنْشَدَنِي النَّبِيُّ ﷺ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ فَأَنْشَدْتُهُ حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ قَافِيَةٍ.
وَعَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: صَحِبْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ فَقَلَّ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ إِلَّا وَهُوَ يُنْشِدُنِي شِعْرًا. وَأَسْنَدَ الطَّبَرِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَمِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا الشِّعْرَ وَأَنْشَدُوهُ وَاسْتَنْشَدُوهُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ خَالِدِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ إِيَاسُ بْنُ خَيْثَمَةَ فَقَالَ: أَلَا أَنْشُدُكَ مِنْ شِعْرِي؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنْ لَا تُنْشِدْنِي إِلَّا حَسَنًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُنْحَرِفِينَ وَلَا مُتَمَاوِتِينَ، وَكَانُوا يَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَيَذْكُرُونَ أَمْرَ جَاهِلِيَّتِهِمْ، فَإِذَا أُرِيدَ أَحَدُهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ دَارَتْ حَمَالِيقُ عَيْنَيْهِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أُجَالِسُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعَ أَبِي فِي الْمَسْجِدِ فَيَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ وَيَذْكُرُونَ حَدِيثَ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ ﷺ يَتَذَاكَرُونَ الشِّعْرَ وَحَدِيثَ الْجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ رَسُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute