اللَّهِ ﷺ فَلَا يَنْهَاهُمْ، وَرُبَّمَا يَتَبَسَّمُ.
الحديث الثاني:
قَوْلُهُ: (سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ.
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ جُنْدَبًا) فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ الْمَاضِيَةِ فِي أَوَائِلِ الْجِهَادِ: جُنْدَبُ بْنُ سُفْيَانَ الْبَجَلِيُّ.
قَوْلُهُ: (بَيْنَمَا النَّبِيُّ ﷺ يَمْشِي) فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ كَانَ فِي بَعْضِ الْمَشَاهِدِ وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ جُنْدُبٍ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَارٍ.
قَوْلُهُ: (فَعَثَرَ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: هَلْ أَنْتِ إِلَّا أصْبَعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ) هَذَانِ قِسْمَانِ مِنْ رَجَزٍ، وَالتَّاءُ فِي آخِرِهِمَا مَكْسُورَةٌ عَلَى وَفْقِ الشِّعْرِ، وَجَزَمَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُمَا فِي الْحَدِيثِ بِالسُّكُونِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَزَعَمَ غَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَعَمَّدَ إِسْكَانَهُمَا لِيُخْرِجَ الْقِسْمَيْنِ عَنِ الشِّعْرِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مِنْ ضَرْبٍ إلى آخَرَ مِنَ الشِّعْرِ وَهُوَ مِنْ ضُرُوبِ الْبَحْرِ الْمُلَقَّبِ الْكَامِلَ، وَفِي الثَّانِي زِحَافٌ جَائِزٌ. قَالَ عِيَاضٌ: وَقَدْ غَفَلَ بَعْضُ النَّاسِ فَرَوَى دَمِيتِ وَلَقِيتِ بِغَيْرِ مَدٍّ؛ فَخَالَفَ الرِّوَايَةَ لِيَسْلَمَ مِنَ الْإِشْكَالِ فَلَمْ يُصِبْ، وَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ قَالَهُ النَّبِيُّ ﷺ مُتَمَثِّلًا أَوْ قَالَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِإِنْشَائِهِ فَخَرَجَ مَوْزُونًا، وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ ابْنَ أَبِي الدُّنْيَا فِي مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ أَوْرَدَهُمَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَذَكَرَ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا قُتِلَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ بَعْدَ أَنْ قُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَخَذَ اللِّوَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ فَأُصِيبَ إِصْبَعُهُ، فَارْتَجَزَ وَجَعَلَ يَقُولُ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَزَادَ:
يَا نَفْسُ إِنْ لَا تُقْتَلِي تَمُوتِي … هَذِي حِيَاضُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيتِ
وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ لَقِيتِ … إِنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتِ
وَهَكَذَا جَزَمَ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّهُمَا مِنْ شِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ كَانَ رَافَقَ أَبَا بَصِيرٍ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، ثُمَّ إِنَّ الْوَلِيدَ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَعَثَرَ بِالْحَرَّةِ فَانْقَطَعَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْصُولٌ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي زِيَادَاتِ السِّيرَةِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ لِي بِعَبَّاسِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنَا فَذَكَرَ قِصَّةً فِيهَا فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَهُمَا وَهَذَا إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ابْنُ رَوَاحَةَ ضَمَّنَهُمَا شِعْرَهُ وَزَادَ عَلَيْهِمَا، فَإِنَّ قِصَّةَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ قِصَّةِ مُؤْتَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوَ هَذَا الِاحْتِمَالِ فِي أَوَائِلِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ فِي الرَّجَزِ الْمَنْسُوبِ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ: اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَأَنَّهُ نُسِبَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِابْنِ رَوَاحَةَ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ تَمَثُّلِ النَّبِيِّ ﷺ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ وَإِنْشَادِهِ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ فَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَتَمَثَّلُ مِنْ شِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ: وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ مُرْسَلِ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَبْنِي الْمَسْجِدَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَقُولُ: أَفْلَحَ مَنْ يُعَالِجُ الْمَسَاجِدَا. فَيَقُولُهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَيَقُولُ ابْنُ رَوَاحَةَ: يَتْلُو الْقُرْآنَ قَائِمًا وَقَاعِدَا. فَيَقُولُهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي التَّارِيخِ عَنْ عَائِشَةَ:
تَفَاءَلْ بِمَا تَهْوَى تَكُنْ فَلَقَلَّمَا … يُقَالُ لِشَيْءٍ كَانَ إِلَّا تَحَقَّقَا
قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يُعْرِبْهُ لِئَلَّا يَكُونَ شِعْرًا، فَهُوَ شَيْءٌ لَا يَصِحُّ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وَهَائِهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ، وَالْحَدِيثُ