للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَأْبَى أَشَدَّ الْإِبَاءِ عَلَى مَنْ يَقُولُ: لَا يَجْزِيهِ إِلَّا السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ، وَيَقُولُ: كَيْفَ لَا يَجْزِيكَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ، وَيَجْزِيكَ فِي الْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ أَعْظَمُ؟ قُلْتُ: وَقَدِ انْقَرَضَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ لَا تَجْزِي، وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُهُ بَعْضُ الْمُتَشَدِّدِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَرَوَى الْخَطِيبُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: لَا تَدَعُونَ تَنَطُّعَكُمْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، الْعَرْضُ مِثْلُ السَّمَاعِ.

وَبَالَغَ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ فِي مُخَالَفَتِهِمْ فَقَالُوا: إِنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الشَّيْخِ أَرْفَعُ مِنَ السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِهِ، وَنَقَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ عَنْهُ، وَنَقَلَهُ الْخَطِيبُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَيَحْيَى الْقَطَّانِ. وَاعْتَلُّوا بِأَنَّ الشَّيْخَ لَوْ سَهَا لَمْ يَتَهَيَّأْ لِلطَّالِبِ الرَّدُّ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: الْقِرَاءَةُ عَلَيَّ أَثْبَتُ وَأَفْهَمُ لِي مِنْ أَنْ أَتَوَلَّى الْقِرَاءَةَ أَنَا. وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ وَعَنْ سُفْيَانَ - وهو الثَّوْرِيُّ - أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَالْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ السَّمَاعَ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ. مَا لَمْ يَعْرِضْ عَارِضٌ يُصَيِّرُ الْقِرَاءَةَ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَرْفَعَ الدَّرَجَاتِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ تَحَرُّزِ الشَّيْخِ وَالطَّالِبِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ) هَذَا الْأَثَرُ رَوَاهُ الْخَطِيبُ أَتَمَّ سِيَاقًا مِمَّا هُنَا، فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْحَسَنَ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْزِلِي بَعِيدٌ، وَالِاخْتِلَافُ يَشُقُّ عَلَيَّ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَى بِالْقِرَاءَةِ بَأْسًا قَرَأْتُ عَلَيْكَ. قَالَ: مَا أُبَالِي قَرَأْتُ عَلَيْكَ أَم قَرَأْتَ عَلَيَّ. قَالَ: فَأَقُولُ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ. وَرَوَاهُ أَبُو الْفَضْلِ السُّلَيْمَانِيُّ فِي كِتَابِ الْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، بِلَفْظِ: قُلْنَا لِلْحَسَنِ: هَذِهِ الْكُتُبُ الَّتِي تُقْرَأُ عَلَيْكَ أَيْشِ نَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولُوا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ.

قَوْلُهُ: (اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، وَكَذَا لِابْنِ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ اللَّيْثِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدٍ مَوْهُومَةٌ مَعْدُودَةٌ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ اللَّيْثَ سَمِعَهُ عَنْ سَعِيدٍ بِوَاسِطَةٍ ثُمَّ لَقِيَهُ فَحَدَّثَهُ بِهِ. وَفِيهِ اخْتِلَافٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالْبَغَوِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ منْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَقْدَحْ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِيهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّ اللَّيْثَ أَثْبَتَهُمْ فِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِسَعِيدٍ فِيهِ شَيْخَانِ، لَكِنْ تَتَرَجَّحَ رِوَايَةُ اللَّيْثِ بِأَنَّ الْمَقْبُرِيَّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَادَّةٌ مَأْلُوفَةٌ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا إِلَّا مَنْ كَانَ ضَابِطًا مُتَثَبِّتًا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عن أبيه: رِوَايَةُ الضَّحَّاكِ وَهْمٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ: رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَهِمُوا فِيهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّيْثِ. أَمَّا مُسْلِمٌ فَلَمْ يُخَرِّجْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بَلْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا الْمُصَنِّفُ عَقِبَ هَذِهِ الطَّرِيقِ.

وَمَا فَرَّ مِنْهُ مُسْلِمٌ وَقَعَ فِي نَظِيرِهِ، فَإِنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي ثَابِتٍ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ثَابِتٍ فَأَرْسَلَهُ، وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ رِوَايَةَ حَمَّادٍ.

قَوْلُهُ: (ابْنُ أَبِي نَمِرٍ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الصَّحَابَةِ، وَأَخْرَجَ لَهُ ابْنُ السَّكَنِ حَدِيثًا، وَأَغْفَلَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ تَبَعًا لِأُصُولِهِ.

قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ .

قَوْلُهُ: (وَرَسُولُ اللَّهِ مُتَّكِئٌ) فِيهِ جَوَازُ اتِّكَاءِ الْإِمَامِ بَيْنَ أَتْبَاعِهِ، وَفِيهِ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ التَّكَبُّرِ لِقَوْلِهِ: بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَهِيَ بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ بَيْنَهُمْ، وَزِيدَ لَفْظُ الظَّهْرِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ظَهْرًا مِنْهُمْ قُدَّامَهُ وَظَهْرًا وَرَاءَهُ، فَهُوَ مَحْفُوفٌ بِهِمْ مِنْ جَانِبَيْهِ،