وَالْأَلِفُ وَالنُّونُ فِيهِ لِلتَّأْكِيدِ قَالَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْآتِي ذِكْرُهَا آخِرَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوَّلِهِ: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: نُهِينَا فِي الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَلَ النَّبِيَّ ﷺ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلِ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رَجُلٌ وَكَأَنَّ أَنَسًا أَشَارَ إِلَى آيَةِ الْمَائِدَةِ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهَا فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (دَخَلَ) زَادَ الْأَصِيلِيُّ قَبْلَهَا إِذْ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَقَلَهُ) بِتَخْفِيفِ الْقَافِ أَيْ: شَدَّ عَلَى سَاقِ الْجَمَلِ - بَعْدَ أَنْ ثَنَى رُكْبَتَهُ - حَبْلًا.
قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْجِدِ) اسْتَنْبَطَ مِنْهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ طَهَارَةَ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَرْوَاثِهَا، إِذْ لَا يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ مُدَّةَ كَوْنِهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ ﷺ، وَدَلَالَتُهُ غَيْرُ وَاضِحَةٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ، وَيَدْفَعُهُ رِوَايَةُ أَبِي نُعَيْمٍ: أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَأَنَاخَهُ ثُمَّ عَقَلَهُ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهَذَا السِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا دَخَلَ بِهِ الْمَسْجِدَ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالْحَاكِمِ وَلَفْظُهَا: فَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَعَقَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ، فَعَلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ مَجَازُ الْحَذْفِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَأَنَاخَهُ فِي سَاحَةِ الْمَسْجِدِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (الْأَبْيَضُ) أَيِ: الْمُشْرَبُ بِحُمْرَةٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ: الْأَمْغَرُ أَيْ: بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ حَمْزَةُ بْنُ الْحَارِثِ: هُوَ الْأَبْيَضُ الْمُشْرَبُ بِحُمْرَةٍ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي صِفَتِهِ ﷺ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَبْيَضَ وَلَا آدَمَ، أَيْ: لَمْ يَكُنْ أَبْيَضَ صِرْفًا.
قَوْلُهُ: (أَجَبْتُكَ) أَيْ: سَمِعْتُكَ، وَالْمُرَادُ إِنْشَاءُ الْإِجَابَةِ، أَوْ نَزَّلَ تَقْرِيرَهُ لِلصَّحَابَةِ فِي الْإِعْلَامِ عَنْهُ مَنْزِلَةَ النُّطْقِ، وَهَذَا لَائِقٌ بِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا لَمْ يَقُلْ لَهُ نَعَمْ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطِبْهُ بِمَا يَلِيقُ بِمَنْزِلَتِهِ مِنَ التَّعْظِيمِ، لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ وَالْعُذْرُ عَنْهُ - إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ قَدَّمَ مُسْلِمًا - أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ، وَكَانَتْ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ جَفَاءِ الْأَعْرَابِ، وَقَدْ ظَهَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَفِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ: وَزَعَمَ رَسُولُكُ أَنَّكَ تَزْعُمُ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ رِوَايَةِ ثَابِتِ، عَنْ أَنَسٍ: كُنَّا نُهِينَا فِي الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلَ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ زَادَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ: وَكَانُوا أَجْرَأَ عَلَى ذَلِكَ مِنَّا يَعْنِي أَنَّ الصَّحَابَةَ وَاقِفُونَ عِنْدَ النَّهْيِ، وَأُولَئِكَ يُعْذَرُونَ بِالْجَهْلِ، وَتَمَنَّوْهُ عَاقِلًا لِيَكُونَ عَارِفًا بِمَا يَسْأَلُ عَنْهُ. وَظَهَرَ عَقْلُ ضِمَامٍ فِي تَقْدِيمِهِ الِاعْتِذَارَ بَيْنَ يَدَيْ مَسْأَلَتِهِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَى مَقْصُودِهِ إِلَّا بِتِلْكَ الْمُخَاطَبَةِ.
وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ مِنَ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ سَأَلَهُ: مَنْ رَفَعَ السَّمَاءَ وَبَسَطَ الْأَرْضَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَصْنُوعَاتِ، ثُمَّ أَقْسَمَ عَلَيْهِ بِهِ أَنْ يَصْدُقَهُ عَمَّا يَسْأَلُ عَنْهُ، وَكَرَّرَ الْقَسَمَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ تَأْكِيدًا وَتَقْرِيرًا لِلْأَمْرِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِالتَّصْدِيقِ، فَكُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ تَصَرُّفِهِ وَتَمَكُّنِ عَقْلِهِ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ مَسْأَلَةً وَلَا أَوْجَزَ مِنْ ضِمَامٍ.
قَوْلُهُ: (ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى النِّدَاءِ. وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: يَا ابْنَ بِإِثْبَاتِ حَرْفِ النِّدَاءِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا تَجِدْ) أَيْ: لَا تَغْضَبْ. وَمَادَّةُ وَجَدَ مُتَّحِدَةُ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ مُخْتَلِفَةُ الْمَصَادِرِ، بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَعَانِي يُقَالُ فِي الْغَضَبِ مَوْجِدَةٌ وَفِي الْمَطْلُوبِ وُجُودًا وَفِي الضَّالَّةِ وِجْدَانًا وَفِي الْحُبِّ وَجْدًا بِالْفَتْحِ، وَفِي الْمَالِ وُجْدًا بِالضَّمِّ، وَفِي الْغِنَى جِدَةٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَقَالُوا أَيْضًا فِي الْمَكْتُوبِ وِجَادَةٌ وَهِيَ مُوَلَّدَةٌ.
قَوْلُهُ: (أَنْشُدُكَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَأَصْلُهُ مِنَ النَّشِيدِ، وهو رَفْعُ الصَّوْتِ، وَالْمَعْنَى سَأَلْتُكَ رَافِعًا نَشِيدَتِي قَالَهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ أَيْ سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ، كَأَنَّكَ ذَكَّرْتَهُ فَنَشَدَ أَيْ: تَذَكَّرَ.
قَوْلُهُ: (آللَّهُ) بِالْمَدِّ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ نَعَمْ) الْجَوَابُ حَصَلَ بِنَعَمْ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُمَّ تَبَرُّكًا بِهَا، وَكَأَنَّهُ اسْتَشْهَدَ بِاللَّهِ فِي ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِصِدْقِهِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى: فَقَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: اللَّهُ. قَالَ: فَمَنْ