قَوْلُهُ: (بَابُ الْحَمْدِ لِلْعَاطِسِ)؛ أَيْ مَشْرُوعِيَّتُهُ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ الصَّرِيحِ بِهِ، وَلَكِنْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَأَمَّا لَفْظُهُ فَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْحَمْدِ لِلَّهِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي بَعْدَ بَابَيْنِ، وَعَنْ طَائِفَةٍ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَالَ: وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ فِيهِ: هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَفَعَهُ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمِثْلُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَفَعَهُ: يَقُولُ الْعَاطِسُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلِابْنِ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ مِثْلُهُ، وَلِأَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ رَفَعَهُ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، أَوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَعَنْ طَائِفَةٍ: يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قُلْتُ: وَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ لِابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَوَرَدَ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، فَعِنْدَهُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَنْ قَالَ عِنْدَ عَطْسَةٍ سَمِعَهَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا كَانَ، لَمْ يَجِدْ وَجَعَ الضِّرْسِ وَلَا الْأُذُنِ أَبَدًا وَهَذَا مَوْقُوفٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: مَنْ بَادَرَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدِ عُوفِيَ مِنْ وَجَعِ الْخَاصِرَةِ وَلَمْ يَشْتَكِ ضِرْسَهُ أَبَدًا وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَلِلْمُصَنِّفِ أَيْضًا فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا عَطَسَ الرَّجُلُ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ الْمَلَكُ: رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَإِنْ قَالَ: رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ الْمَلَكُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَعَنْ طَائِفَةٍ مَا زَادَ مِنَ الثَّنَاءِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَمْدِ كَانَ حَسَنًا، فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ فِي التَّهْذِيبِ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. فَقَالَ له النَّبِيُّ ﷺ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَعَطَسَ آخَرُ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَقَالَ: ارْتَفَعَ هَذَا عَلَى هَذَا تِسْعَ عَشْرَةَ دَرَجَةً.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَعَطَسْتُ، فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مُبَارَكًا عَلَيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَنِ الْمُتَكَلِّمُ؟ ثَلَاثًا. فَقُلْتُ: أَنَا. فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدِ ابْتَدَرَهَا بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مَلَكًا أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَبَيَّنَ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ الْمَغْرِبُ، وَسَنَدُهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْعُطَاسِ، وَإِنَّمَا فِيهِ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ إِلَخْ بِنَحْوِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِشَرْحِهِ. وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: جَاءَ رَجُلٌ فَدَخَلَ فِي الصَّفِّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ نَحْوَهُ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ السُّنِّيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَعَطَسَ، فَخَلَّى يَدَيَّ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ شَيْئًا لَمْ أَفْهَمْهُ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِذَا أَنْتَ عَطَسْتَ فَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لِكَرَمِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ لِعِزِّ جَلَالِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ ﷿ يَقُولُ: صَدَقَ عَبْدِي ثَلَاثًا مَغْفُورًا لَهُ. وَأَمَّا الثَّنَاءُ الْخَارِجُ عَنِ الْحَمْدِ فَوَرَدَ فِيهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ الْيَشْكُرِيِّ قَالَ: عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ تَمَّمْتَهَا وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ! وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، وَيُعَارِضُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: عَطَسَ رَجُلٌ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute