يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَلَا تَكُون عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَنَا سَمِعْتُ شَيْئًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَثبتَ.
هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَطَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى فِيهِ ضَعْفٌ، وَرِوَايَةُ الْأَكْثَرِ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَحْفُوظَةً، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ جَاءَ بَعْدَ أَنْ شَهِدَ أَبُو سَعِيدٍ. وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ زِيَادَةٌ مُفِيدَةٌ، وَهِيَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَوْ أَبَا مَسْعُودٍ قَالَ لِعُمَرَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمًا وَهُوَ يُرِيدُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ حَتَّى أَتَاهُ، فَسَلَّمَ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ الثَّانِيَةَ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَقَالَ: قَضَيْنَا مَا عَلَيْنَا، ثُمَّ رَجَعَ، فَأَذِنَ لَهُ سَعْدٌ. الْحَدِيثَ، فَثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ وَمِنْ فِعْلِهِ.
وَقِصَّةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ هَذِهِ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مُطَوَّلَةً بِمَعْنَاهُ، وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَوْ غَيْرِهِ كَذَا فِيهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، عَنْ أَنَسٍ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ طَارِقٍ مَوْلَاةِ سَعْدٍ، وَاتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَلَى أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. وَحَكَى قِصَّةَ أَبِي مُوسَى عَنْهُ إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الثِّقَةِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ بُسْرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى بِالْحَدِيثِ مُخْتَصَرًا دُونَ الْقِصَّةِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ بِطُولِهِ، وَصَرَّحَ فِي رِوَايَتِهِ بِسَمَاعِ أَبِي سَعِيدٍ لَهُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَهُ: فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إِنْ كَانَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْكُمْ أَحَدٌ فَلْيَقُمْ مَعِي، فَقَالُوا لِأَبِي سَعِيدٍ: قُمْ مَعَهُ. وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ: رَوَى أَبُو سَعِيدٍ حَدِيثَ الِاسْتِئْذَانِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَشْهَدُ لَهُ عِنْدَ عُمَرَ فَأَدَّى إِلَى عُمَرَ مَا قَالَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ، وَكَأَنَّهُ نَسِيَ أَسْمَاءَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَدَّثَ بِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَحْدَهُ لِكَوْنِهِ صَاحِبَ الْقِصَّةِ.
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَهُ. قُلْتُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رَدِّ مَا قَالَ الدَّاوُدِيُّ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَمَدُ فِي التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَهِيَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ مَالِكٌ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ حَكَى قِصَّةَ أَبِي مُوسَى عَنْهُ بَعْدَ وُقُوعِهَا بِدَهْرٍ طَوِيلٍ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ رَوَوْهَا عَنْهُ لَمْ يُدْرِكُوهَا، وَمِنْ جُمْلَةِ قِصَّةِ أَبِي مُوسَى الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ، فَكَأَنَّ الرَّاوِيَ لَمَّا اخْتَصَرَهَا وَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَرْفُوعِ خَرَّجَ مِنْهَا أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَغَفَلَ عَمَّا فِي آخِرِهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَرْفُوعَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَهَذَا مِنْ آفَاتِ الِاخْتِصَارِ، فَيَنْبَغِي لِمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْحَدِيثِ أَنْ يَتَفَقَّدَ مِثْلَ هَذَا وَإِلَّا وَقَعَ فِي الْخَطَأِ، وَهُوَ كَحَذْفِ مَا لِلْمَتْنِ بِهِ تَعَلُّقٌ، وَتَخْتَلِفُ الدَّلَالَةُ بِحَذْفِهِ.
وَقَدِ اشْتَدَّ إِنْكَارُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى وَقَالَ: إِنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ لَهُمَا هُوَ مِنَ النَّقَلَةِ لِاخْتِلَاطِ الْحَدِيثِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ قِصَّةِ أَبِي مُوسَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّنْ وَافَقَ أَبَا مُوسَى عَلَى رِوَايَةِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ جُنْدَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ بِلَفْظِ: إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ هُوَ سُفْيَانُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ، وَأَرَادَ بِهَذَا التَّعْلِيقِ بَيَانَ سَمَاعِ بُسْرٍ لَهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَكَذَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ عِنْدِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، وَأَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ. وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِنْكَارَ عُمَرَ عَلَى أَبِي مُوسَى حَدِيثَهُ الْمَذْكُورَ مَعَ كَوْنِهِ وَقَعَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الطَّوِيلِ فِي هَجْرِ النَّبِيِّ ﷺ نِسَاءَهُ فِي الْمَشْرُبَةِ، فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ عُمَرَ اسْتَأْذَنَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَلَمَّا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ رَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْإِذْنُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute