طَرِيقِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ أَتَى يَهُودِيٌّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدُّوا عَلَيْهِ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا قَالَ؟ قَالُوا: سَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ سَامَ عَلَيْكُمْ؛ أَيْ تُسَامُونَ دِينَكُمْ. قُلْتُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَيْ تُسَامُونَ دِينَكُمْ تَفْسِيرَ قَتَادَةَ كَمَا بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ عَبْدِ الْوَارِثِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْخَطَّابِيُّ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَدَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا قَالَ؟ قَالُوا: نَعَمْ سَلَّمَ عَلَيْنَا، قَالَ: فَإِنَّهُ قَالَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ أَيْ تُسَامُونَ دِينَكُمْ، رُدُّوهُ عَلَيَّ، فَرَدُّوهُ فَقَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: قلت: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ: إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَقُولُوا: عَلَيْكُمْ مَا قُلْتُمْ، لَفْظُ الْبَزَّارِ.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ: أَنَّ يَهُودِيًّا سَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ أَتَدْرُونَ، وَالْبَاقِي نَحْوُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: رُدُّوهُ إِلَخْ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكَ.
قَوْلُهُ: (وَاللَّعْنَةُ) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ فَهِمَتْ كَلَامَهُمْ بِفِطْنَتِهَا فَأَنْكَرَتْ عَلَيْهِمْ، وَظَنَّتْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ظَنَّ أَنَّهُمْ تَلَفَّظُوا بِلَفْظِ السَّلَامِ فَبَالَغَتْ فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَقَ لَهَا سَمَاعُ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ كَمَا فِي حَدِيثَيِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ فِي الْبَابِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَتْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةَ إِمَّا لِأَنَّهَا كَانَتْ تَرَى جَوَازَ لَعْنِ الْكَافِرِ الْمُعَيَّنِ بِاعْتِبَارِ الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ لَا سِيَّمَا إِذَا صَدَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي التَّأْدِيبَ، وَإِمَّا لِأَنَّهَا تَقَدَّمَ لَهَا عِلْمٌ بِأَنَّ الْمَذْكُورِينَ يَمُوتُونَ عَلَى الْكُفْرِ فَأَطْلَقَتِ اللَّعْنَ وَلَمْ تُقَيِّدْهُ بِالْمَوْتِ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَعَوَّدَ لِسَانُهَا بِالْفُحْشِ، أَوْ أَنْكَرَ عَلَيْهَا الْإِفْرَاطَ فِي السَّبِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْأَدَبِ فِي بَابِ الرِّفْقِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى جَوَازِ لَعْنِ الْمُشْرِكِ الْمُعَيَّنِ الْحَيِّ فِي بَابِ الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ كِتَابِ الدَّعَوَاتِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (مَهْلًا يَا عَائِشَةُ) تَقَدَّمَ بِشَرْحِهِ فِي بَابِ الرِّفْقِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ.
قَوْلُهُ: (فَقَدْ قُلْتُ عَلَيْكُمْ) وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، وَشُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِحَذْفِ الْوَاوِ، وَعِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ، وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِثْبَاتِ الْوَاو. قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ انْخِدَاعِ الْكَبِيرِ لِلْمَكَايِدِ وَمُعَارَضَتُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ إِذَا رُجِيَ رُجُوعُهُ.
قُلْتُ: فِي تَقْيِيدِهِ بِذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ حِينَئِذٍ كَانُوا أَهْلَ عَهْدٍ، فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِمَصْلَحَةِ التَّآلُفِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي:
قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ) يَأْتِي فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمُ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقُلْ: وَعَلَيْكَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَالَّذِي عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ بِلَفْظِ: فَقُلْ: عَلَيْكَ لَيْسَ فِيهِ الْوَاوُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِغَيْرِ وَاوٍ.
وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ بِغَيْرِ وَاوٍ لِأَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُدْخِلْ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ الْوَاوَ. قُلْتُ: لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْمُوَطَّآتِ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: فَقُلْ: وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ وَبِصِيغَةِ الْجَمْعِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ يَعْنِي عَنْ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحٍ، وَمَعْنٍ، وَقُتَيْبَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِغَيْرِ وَاوٍ وَبِالْإِفْرَادِ كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِلَفْظِ: قُلْ عَلَيْكَ بِغَيْرِ وَاوٍ، لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ وَحْدَهُ: فَقُلْ: عَلَيْكُمْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ بِغَيْرِ وَاوٍ أَيْضًا.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ