وَأَجَابَ عَنْهُ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، مُضْطَرِبُ السَّنَدِ، فِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ أَبَاهُ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ. وَأَجَابَ عَنْهُ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ إِنَّمَا فِيهِ نَهْيُ مَنْ يُقَامُ لَهُ عَنِ السُّرُورِ بِذَلِكَ، لَا نَهْيَ مَنْ يَقُومُ لَهُ إِكْرَامًا لَهُ.
وَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ الرِّجَالُ عَلَى رَأْسِهِ كَمَا يُقَامُ بَيْنَ يَدَيْ مُلُوكِ الْأَعَاجِمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ نَهْيَ الرَّجُلِ عَنِ الْقِيَامِ لِأَخِيهِ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ. وَاحْتَجَّ ابْنُ بَطَّالٍ لِلْجَوَازِ بِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا رَأَى فَاطِمَةَ بِنْتَهُ قَدْ أَقْبَلَتْ رَحَّبَ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَقَبَّلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهَا حَتَّى يُجْلِسَهَا فِي مَكَانِهِ.
قُلْتُ: وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحِ، كَمَا مَضَى فِي الْمَنَاقِبِ وَفِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْقِيَامِ. وَتَرْجَمَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ بَابُ الْقِيَامِ وَأَوْرَدَ مَعَهُ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ، وَكَذَا صَنَعَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَزَادَ مَعَهُمَا حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ وَفِيهِ: فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ الْمُبْدَأُ بِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَحَدِيثُ ابْنَ بُرَيْدَةَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ فَذَكَرَهُ وَفِيهِ: مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ عَلَى النَّاسِ، فَيَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ الرِّجَالُ، يُحِبُّ أَنْ يَكْثُرَ عِنْدَهُ الْخُصُومُ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ.
وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ مُعَاوِيَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ عَامِرٍ فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ وَجَلَسَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ، لِابْنِ عَامِرٍ: اجْلِسْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، وَأَحْمَدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ حَبِيبٍ مِثْلُهُ، وَقَالَ: الْعِبَادُ بَدَلَ الرِّجَالِ، وَمِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبٍ مِثْلُهُ وَزَادَ فِيهِ: وَلَمْ يَقُمِ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ أَرْزَنَهُمَا، قَالَ: فَقَالَ: مَهْ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ عِبَادُ اللَّهِ قِيَامًا.
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَبِيبٍ بِلَفْظِ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ فَقَامُوا لَهُ. وَبَاقِيهِ كَلَفْظِ حَمَّادٍ. وَأَمَّا التِّرْمِذِيُّ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبٍ، وَلَفْظُهُ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ صَفْوَانَ حِينَ رَأَوْهُ، فَقَالَ: اجْلِسَا، فَذَكَرَ مِثْلَ لَفْظِ حَمَّادٍ.، وَسُفْيَانَ وَإِنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ الْحِفْظِ إِلَّا أَنَّ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ وَفِيهِمْ مِثْلُ شُعْبَةَ أَوْلَى بِأَنْ تَكُونَ رِوَايَتُهُمْ مَحْفُوظَةً مِنَ الْوَاحِدِ، وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يَقُمْ، وَأَمَّا إِبْدَالُ ابْنِ عَامِرٍ، بِابْنِ صَفْوَانَ فَسَهْلٌ لِاحْتِمَالِ الْجَمْعِ بِأَنْ يَكُونَا مَعًا وَقَعَ لَهُمَا ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ الْإِتْيَانُ فِيهِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَفِي رِوَايَةِ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِة، وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ إِلَى الْجَمْعِ الْمَنْقُولِ عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ فَتَرْجَمَ أَوَّلًا بَابَ قِيَامِ الرَّجُلِ لِأَخِيهِ وَأَوْرَدَ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا، ثُمَّ تَرْجَمَ بَابَ قِيَامِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ الْقَاعِدِ وَبَابَ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَقْعُدَ وَيَقُومَ لَهُ النَّاسُ وَأَوْرَدَ فِيهِمَا حَدِيثَ جَابِرٍ: اشْتَكَى النَّبِيُّ ﷺ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: إِنْ كِدْتُمْ لَتَفْعَلُوا فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ، يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ، فَلَا تَفْعَلُوا. وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا قِيَامَ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ تَعْظِيمًا، وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ، وَمُحَصَّلُ الْمَنْقُولِ عَنْ مَالِكٍ إِنْكَارُ الْقِيَامِ مَا دَامَ الَّذِي يُقَامُ لِأَجْلِهِ لَمْ يَجْلِسْ وَلَوْ كَانَ فِي شُغْلِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ تُبَالِغُ فِي إِكْرَامِ زَوْجِهَا فَتَتَلَقَّاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute