للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفَ اللَّيْلِ الْأَخِيرَ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَقَالَ: حَسَنٌ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ قَالَ: الدُّعَاءُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ أَفْضَلُ مِنَ الدُّعَاءِ بَعْدَ النَّافِلَةِ، كَفَضْلِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ، وَفَهِمَ كَثِيرٌ مِمَّنْ لَقِينَاهُ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ مُرَادَ ابْنِ الْقَيِّمِ نَفْيُ الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ حَاصِلَ كَلَامِهِ أَنَّهُ نَفَاهُ بِقَيْدِ اسْتِمْرَارِ اسْتِقْبَالِ الْمُصَلِّي الْقِبْلَةَ وَإِيرَادِهِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَأَمَّا إِذَا انْتَقَلَ بِوَجْهِهِ أَوْ قَدَّمَ الْأَذْكَارَ الْمَشْرُوعَةَ فَلَا يَمْتَنِعُ عِنْدَهُ الْإِتْيَانُ بِالدُّعَاءِ حِينَئِذٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّسْبِيحِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَحَدِيثَ الْمُغِيرَةِ فِي قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَقَدْ تَرْجَمَ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ بَابَ الذِّكْرِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَأَوْرَدَ فِيهِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَتَقَدَّمَ شَرْحَهُمَا هُنَاكَ مُسْتَوْفًى، وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لَهُمَا أَنَّ الذَّاكِرَ يَحْصُلُ لَهُ مَا يَحْصُلُ لِلدَّاعِي إِذَا شَغَلَهُ الذِّكْرُ عَنِ الطَّلَبِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى -: مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي، أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ، وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ: مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي، الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ أَوِ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَيَزِيدُ هُوَ ابْنُ هَارُونَ، وَوَرْقَاءُ هُوَ ابْنُ عُمَرَ الْيَشْكُرِيُّ، وَسُمَيٌّ هُوَ مَوْلَى أَبِي صَالِحٍ.

قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) هُوَ الْعُمَرِيُّ (عَنْ سُمَيٍّ) يَعْنِي فِي إِسْنَادِهِ، وَفِي أَصْلِ الْحَدِيثِ لَا فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ هُنَاكَ عِنْدَ شَرْحِهِ أَنَّ وَرْقَاءَ خَالَفَ غَيْرَهُ فِي قَوْلِهِ: عَشْرًا، وَأَنَّ الْكُلَّ قَالُوا: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْمَجْمُوعُ هَذَا الْقَدْرُ، قُلْتُ: قَدْ وَرَدَ بِالذِّكْرِ الْعَشْرُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَجَمَاعَةٍ، وَحَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا هُنَاكَ، وَأَغْرَبَ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ: لَمَّا جَاءَ هُنَاكَ بِلَفْظِ الدَّرَجَاتِ فَقَيَّدَهَا بِالْعُلَا، وَقَيَّدَ أَيْضًا زِيَادَةً فِي الْأَعْمَالِ مِنَ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ زَادَ فِي عِدَّةِ الْأَذْكَارِ - يَعْنِي: وَلَمَّا خَلَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ ذَلِكَ نَقَصَ الْعَدَدُ - ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، انْتَهَى.

وَكِلَا الْجَوَابَيْنِ مُتَعَقَّبٌ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَخْرَجُ الْحَدِيثَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْهُ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ وَإِلَّا فَيُؤْخَذُ بِالرَّاجِحِ، فَإِنِ اسْتَوَوْا فَالَّذِي حَفِظَ الزِّيَادَةَ مُقَدَّمٌ، وَأَظُنُّ سَبَبَ الْوَهَمِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَجْلَانَ: يُسَبِّحُونَ وَيُكَبِّرُونَ وَيَحْمَدُونَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ مَقْسُومٌ عَلَى الْأَذْكَارِ الثَّلَاثَةِ، فَرَوَى الْحَدِيثَ بِلَفْظِ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَأَلْغَى بَعْضُهُمُ الْكَسْرَ فَقَالَ: عَشَرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَمُرَتَّبٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ لَائِقٌ بِمَا إِذَا اخْتَلَفَ مَخَارِجُ الْحَدِيثِ، أَمَّا إِذَا اتَّحَدَ الْمَخْرَجُ فَهُوَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ، فَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ وَإِلَّا فَالتَّرْجِيحُ.

قَوْلُهُ: (وَرَوَاهُ ابْنُ عَجْلَانَ، عَنْ سُمَيٍّ، وَرَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ) وَصَلَهُ مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ فَذَكَرَهُ مَقْرُونًا بِرِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِهِ وَفِي آخِرِهِ: قَالَ ابْنُ عَجْلَانَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ رَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ، فَحَدَّثَنِي بِمِثْلِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، وَسُمَيٍّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِهِ وَفِيهِ: تُسَبِّحُونَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدُونَهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتُكَبِّرُونَهُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَقَالَ فِي الْأَوْسَطِ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ رَجَاءٍ إِلَّا ابْنُ عَجْلَانَ.

قَوْلُهُ: (وَرَوَاهُ جَرِيرٌ) يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ) وَصَلَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْهُ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، وَوَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ بِهَذَا، وَفِيهِ مِثْلُ مَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَجْلَانَ مِنْ تَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ،