بِهَذَا الْحَصْرِ؛ لِأَنَّ شُعْبَةَ مَا كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُدَلِّسِينَ إِلَّا بِمَا يَكُونُ ذَلِكَ الْمُدَلِّسُ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ شَيْخِهِ، وَقَدْ حَدَّثَ شُعْبَةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ قَتَادَةَ، وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِهِ لَهُ مُعَلَّقًا فِي آخِرِ التَّرْجَمَةِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا الْعَالِيَةِ حَدَّثَهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي سَمَاعِهِ لَهُ مِنْهُ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ حَدِيثُ رُؤْيَةِ مُوسَى وَغَيْرِهِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا.
وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْمُعَلَّقِ: وَقَالَ وَهْبٌ، كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ: وُهَيْبٌ بِالتَّصْغِيرِ، وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: الصَّوَابُ الْأَوَّلُ. قُلْتُ: وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ: وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أَيِ ابْنِ حَازِمٍ، فَأَزَالَ الْإِشْكَالَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبٍ بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ ابْنُ خَالِدٍ، فَقَالَ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ. فَظَهَرَ أَنَّهُ عِنْدَ وُهَيْبٍ بِالتَّصْغِيرِ عَنْ سَعِيدٍ بِالْمُهْمَلَةِ وَالدَّالِ، وَعِنْدَ وَهْبٍ بِسُكُونِ الْهَاءِ عَنْ شُعْبَةَ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ.
قَوْلُهُ: (كَانَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ) أَيْ: عِنْدَ حُلُولِ الْكَرْبِ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ: كَانَ يَدْعُو بِهِنَّ، وَيَقولُهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ، أَيْ: هَجَمَ عَلَيْهِ أَوْ غَلَبَهُ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ: لَقَّنَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَأَمَرَنِي إِنْ نَزَلَ بِي كَرْبٌ أَوْ شِدَّةٌ أَنْ أَقُولَهُا.
قَوْلُهُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا بِلَفْظِ: وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، وَقَالَ فِي أَوَّلِهِ: رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ بَدَلَ: الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ وَوَقَعَ جَمِيعُ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ وُهَيْبِ بْنِ خَالِدٍ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا، لَكِنْ قَالَ: الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ بِاللَّامِ بَدَلَ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَذَا هُوَ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، وَقَالَ: الْعَظِيمُ بَدَلَ الْعَلِيمُ.
وَقَالَ وَهْبٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ.
قَوْلُهُ: (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ) نَقَلَ ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ رَوَاهُ بِرَفْعِ الْعَظِيمِ، وَكَذَا بِرَفْعِ الْكَرِيمِ فِي قَوْلِهِ: رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ عَلَى أَنَّهُمَا نَعْتَانِ لِلرَّبِّ، وَالَّذِي ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِلْعَرْشِ، وَكَذَا قَرَأَ الْجُمْهُورُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ - وَ: ﴿رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ بِالرَّفْعِ، وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ بِالْجَرِّ فِيهِمَا وَجَاءَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدَنِيِّ، وَأُعْرِبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعَ الرَّفْعِ نَعْتًا لِلْعَرْشِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ قُطِعَ عَمَّا قَبْلَهُ لِلْمَدْحِ، وَرُجِّحَ لِحُصُولِ تَوَافُقِ الْقِرَاءَتَيْنِ، وَرَجَّحَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الرَّبِّ بِالْعَظِيمِ أَوْلَى مِنْ وَصْفِ الْعَرْشِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ وَصْفَ مَا يُضَافُ لِلْعَظِيمِ بِالْعَظِيمِ أَقْوَى فِي تَعْظِيمِ الْعَظِيمِ، فَقَدْ نَعَتَ الْهُدْهُدُ عَرْشَ بَلْقِيسَ بِأَنَّهُ عَرْشٌ عَظِيمٌ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ سُلَيْمَانُ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحَلِيمُ: الَّذِي يُؤَخِّرُ الْعُقُوبَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَالْعَظِيمُ: الَّذِي لَا شَيْءَ يَعْظُمُ عَلَيْهِ، وَالْكَرِيمُ: الْمُعْطِي فَضْلًا، وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدٌ فِي شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى قَرِيبًا.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: صَدَّرَ هَذَا الثَّنَاءَ بِذِكْرِ الرَّبِّ؛ لِيُنَاسِبَ كَشْفَ الْكَرْبِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى التَّرْبِيَةِ، وَفِيهِ التَّهْلِيلُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَهُوَ أَصْلُ التَّنْزِيهَاتِ الْجَلَالِيَّةِ وَالْعَظَمَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى تَمَامِ الْقُدْرَةِ، وَالْحِلْمُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ، إِذِ الْجَاهِلُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ حِلْمٌ وَلَا كَرَمٌ، وَهُمَا أَصْلُ الْأَوْصَافِ الْإِكْرَامِيَّةِ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْكَرِيمُ الْعَظِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ، تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَفِي لَفْظٍ: الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ فِي الْأَوَّلِ، وَفِي لَفْظٍ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute