إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، وَفِي لَفْظٍ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَهُ ﵎، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَخْرَجَهَا كُلَّهَا النَّسَائِيُّ.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَدْعُو وَإِنَّمَا هُوَ تَهْلِيلٌ وَتَعْظِيمٌ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ تَقْدِيمُ ذَلِكَ قُبَيْلَ الدُّعَاءِ، كَمَا وَرَدَ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَذْكُورَةِ، وَفِي آخِرِهِ: ثُمَّ يَدْعُو، قُلْتُ: وَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَعِنْدَ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ قَالَ، فَذَكَرَ الذِّكْرَ الْمَأْثُورَ، وَزَادَ: ثُمَّ دَعَا، وَفِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنِّي شَرَّهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَى الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: إِذَا بَدَأَ الرَّجُلُ بِالثَّنَاءِ قَبْلَ الدُّعَاءِ اسْتُجِيبَ، وَإِذَا بَدَأَ بِالدُّعَاءِ قَبْلَ الثَّنَاءِ كَانَ عَلَى الرَّجَاءِ.
ثَانِيهِمَا مَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِيمَا حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ: أَكْثَرُ مَا كَانَ يَدْعُو بِهِ النَّبِيُّ ﷺ بِعَرَفَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ سُفْيَانُ: هُوَ ذِكْرٌ، وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ، وَلَكِنْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ رَبِّهِ ﷿: مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي، أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ قَالَ: وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ فِي مَدْحِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ:
أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي … حَيَاؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ
إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا … كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِكَ الثَّنَاءُ
قَالَ سُفْيَانُ: فَهَذَا مَخْلُوقٌ حِينَ نُسِبَ إِلَى الْكَرَمِ اكْتَفَى بِالثَّنَاءِ عَنِ السُّؤَالِ، فَكَيْفَ بِالْخَالِقِ؟ قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَفَعَهُ: دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهِ - تَعَالَى - لَهُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَفِي لَفْظٍ لِلْحَاكِمِ: فَقَالَ رَجُلٌ: أَكَانَتْ لِيُونُسَ خَاصَّةً أَمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً؟ فَقَالَ رَسُولُ ﷺ: أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾؟ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ قَالَ: كُنْتُ بِأَصْبَهَانَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ، أَكْتُبُ الْحَدِيثَ، وَهُنَاكَ شَيْخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ مَدَارُ الْفُتْيَا، فَسُعِيَ بِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَسُجِنَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي الْمَنَامِ وَجِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ بِالتَّسْبِيحِ لَا يَفْتُرُ، فَقَالَ لِي ﷺ قُلْ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيٍّ يَدْعُو بِدُعَاءِ الْكَرْبِ الَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: فَأَصْبَحْتُ، فَأَخْبَرْتُهُ فَدَعَا بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى أُخْرِجَ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَتَبَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ: انْظُرِ الْحَسَنَ بْنَ الْحَسَنِ فَاجْلِدْهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَأَوْقِفْهُ لِلنَّاسِ، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَجِيءَ بِهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَمِّ، تَكَلَّمْ بِكَلِمَاتِ الْفَرَجِ يُفَرِّجِ اللَّهُ عَنْكَ، فَذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ بِاللَّفْظِ الثَّانِي، فَقَالَهَا: فَرَفَعَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: أَرَى وَجْهَ رَجُلٍ كُذِبَ عَلَيْهِ؛ خَلُّوا سَبِيلَهُ، فَسَأَكْتُبُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِعُذْرِهِ فَأُطْلِقَ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا زَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ابْنَتَهُ قَالَ لَهَا: إِنْ نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ فَاسْتَقْبِلِيهِ بِأَنْ تَقُولِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ الْحَسَنُ: فَأَرْسَلَ إِلَيَّ الْحَجَّاجُ فَقُلْتُهُنَّ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَكَ فَلَأَنْتَ الْيَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا وَزَادَ فِي لَفْظٍ فَسَلْ حَاجَتَكَ، وَمِمَّا وَرَدَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute