للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا لَاحْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ بِهَا التَّعْظِيمَ، وَبِهَا تَحْصُلُ مُطَابَقَةُ الْجَوَابِ لِلسُّؤَالِ حَيْثُ قَالَ: عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَبِهَذَا يُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: فِي الْجَوَابِ زِيَادَةٌ عَلَى السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَوَقَعَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى آلِهِ.

قَوْلُهُ: (كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى السَّلَامِ الَّذِي فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ قَوْلُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقولِهِمْ: فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ أَيْ: بَعْدَ التَّشَهُّدِ انْتَهَى. وَتَفْسِيرُ السَّلَامُ بِذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ احْتِمَالًا وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ السَّلَامُ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَقَالَ: إِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ، وَكَذَا ذَكَرَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَرَدَّ بَعْضُهُمُ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّ سَلَامَ التَّحَلُّلِ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ اتِّفَاقًا كَذَا قِيلَ، وَفِي نَقْلِ الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ، فَقَدْ جَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُولَ عِنْدَ سَلَامِ التَّحَلُّلِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، ذَكَرَهُ عِيَاضٌ وَقَبْلَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟) زَادَ أَبُو مَسْعُودٍ فِي حَدِيثِهِ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ وَإِنَّمَا تَمَنَّوْا ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُعْجِبْهُ السُّؤَالُ الْمَذْكُورُ؛ لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِنَ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: - تَعَالَى -: ﴿لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ﴾ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ بَيَانُ ذَلِكَ، وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَسَكَتَ حَتَّى جَاءَهُ الْوَحْيُ فَقَالَ: تَقُولُونَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقولِهِمْ: كَيْفَ فَقِيلَ: الْمُرَادُ السُّؤَالُ عَنْ مَعْنَى الصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا بِأَيِّ لَفْظٍ يُؤَدَّى، وَقِيلَ عَنْ صِفَتِهَا، قَالَ عِيَاضٌ: لَمَّا كَانَ لَفْظُ الصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ يَحْتَمِلُ الرَّحْمَةَ وَالدُّعَاءَ وَالتَّعْظِيمَ سَأَلُوا: بِأَيِّ لَفْظٍ تُؤَدَّى؟ هَكَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَرَجَّحَ الْبَاجِيُّ أَنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنْ صِفَتِهَا لَا عَنْ جِنْسِهَا، وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ: كَيْفَ ظَاهِرٌ فِي الصِّفَةِ، وَأَمَّا الْجِنْسُ فَيُسْأَلُ عَنْهُ بِلَفْظِ: مَا وَبِهِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ، فَقَالَ: هَذَا سُؤَالُ مَنْ أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ كَيْفِيَّةُ مَا فُهِمَ أَصْلُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ، فَسَأَلُوا عَنِ الصِّفَةِ الَّتِي تَلِيقُ بِهَا لِيَسْتَعْمِلُوهَا. انْتَهَى.

وَالْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ السَّلَامَ لَمَّا تَقَدَّمَ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَهِمُوا مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ أَيْضًا تَقَعُ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ، وَعَدَلُوا عَنِ الْقِيَاسِ؛ لِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى النَّصِّ وَلَا سِيَّمَا فِي أَلْفَاظِ الْأَذْكَارِ فَإِنَّهَا تَجِيءُ خَارِجَةً عَنِ الْقِيَاسِ غَالِبًا، فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا فَهِمُوا؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُمْ قُولُوا: الصَّلَاةُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَلَا قُولُوا: الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ، إِلَخْ، بَلْ عَلَّمَهُمْ صِيغَةً أُخْرَى.

قَوْلُهُ: (قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ) هَذِهِ كَلِمَةٌ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الدُّعَاءِ، وَهُوَ بِمَعْنَى: يَا اللَّهُ، وَالْمِيمُ عِوَضٌ عَنْ حَرْفِ النِّدَاءِ، فَلَا يُقَالُ: اللَّهُمَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ مَثَلًا، وَإِنَّمَا يُقَالُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَلَا يَدْخُلُهَا حَرْفُ النِّدَاءِ إِلَّا فِي نَادِرٍ، كَقَوْلِ الرَّاجِزِ:

إِنِّي إِذَا مَا حَادِثٌ أَلَمَّا … أَقُولُ يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمَّا

وَاخْتُصَّ هَذَا الِاسْمُ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَوُجُوبِ تَفْخِيمِ لَامِهِ، وَبِدُخُولِ حَرْفِ النِّدَاءِ عَلَيْهِ مَعَ التَّعْرِيفِ، وَذَهَبَ الْفَرَّاءُ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ إِلَى أَنَّ أَصْلَهُ: يَا اللَّهُ وَحُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ تَخْفِيفًا وَالْمِيمُ، مَأْخُوذٌ مِنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ مِثْلُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ، وَقِيلَ: بَلْ زَائِدَةٌ كَمَا فِي زُرْقُمٍ لِلشَّدِيدِ الزُّرْقَةِ، وَزِيدَتْ فِي الِاسْمِ الْعَظِيمِ تَفْخِيمًا، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ كَالْوَاوِ الدَّالَّةِ عَلَى الْجَمْعِ، كَأَنَّ الدَّاعِيَ قَالَ: يَا مَنِ اجْتَمَعَتْ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَلِذَلِكَ شُدِّدَتِ الْمِيمُ؛ لِتَكُونَ عِوَضًا عَنْ عَلَامَةِ الْجَمْعِ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: اللَّهُمَّ: مُجْتَمَعُ الدُّعَاءِ، وَعَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ: مَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ، فَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ.

قَوْلُهُ: (صَلِّ) تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ تَفْسِيرِ الْأَحْزَابِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّ مَعْنَى صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَلَائِكَتِهِ، وَمَعْنَى صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ لَهُ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ قَالَ: صَلَاةُ