للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللَّهِ مَغْفِرَتُهُ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَعْنَى صَلَاةِ الرَّبِّ: الرَّحْمَةُ، وَصَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ: الِاسْتِغْفَارُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: صَلَاةُ اللَّهِ: رَحْمَتُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: مَغْفِرَتُهُ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ: الدُّعَاءُ، أَخْرَجَهُمَا إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنْهُ، وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ الدُّعَاءَ بِالْمَغْفِرَةِ وَنَحْوِهَا، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ: الرَّحْمَةُ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ: رِقَّةٌ تَبْعَثُ عَلَى اسْتِدْعَاءِ الرَّحْمَةِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اللَّهَ غَايَرَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالرَّحْمَةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ وَكَذَلِكَ فَهِمَ الصَّحَابَةُ الْمُغَايَرَةَ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا﴾ حَتَّى سَأَلُوا عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِ الرَّحْمَةِ فِي تَعْلِيمِ السَّلَامِ، حَيْثُ جَاءَ بِلَفْظِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَأَقَرَّهُمُ النَّبِيُّ فَلَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ لَقَالَ لَهُمْ: قَدْ عَلِمْتُمْ ذَلِكَ فِي السَّلَامِ، وَجَوَّزَ الْحَلِيمِيُّ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى السَّلَامِ عَلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَحَدِيثُ الْبَابِ يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ، وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّ مَعْنَى صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمُهُ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ

عَلَيْهِ: طَلَبُ ذَلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَالْمُرَادُ طَلَبُ الزِّيَادَةِ لَا طَلَبُ أَصْلِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: صَلَاةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ تَكُونُ خَاصَّةً، وَتَكُونُ عَامَّةً؛ فَصَلَاتُهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ هِيَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الثَّنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ، وَصَلَاتُهُ عَلَى غَيْرِهِمُ الرَّحْمَةُ، فَهِيَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ.

وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ بَكْرٍ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ مِنَ اللَّهِ تَشْرِيفٌ وَزِيَادَةُ تَكْرِمَةٍ، وَعَلَى مَنْ دُونِ النَّبِيِّ رَحْمَةٌ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّبِيِّ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، حَيْثُ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي السُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ﴾ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَلِيقُ بِالنَّبِيِّ مِنْ ذَلِكَ أَرْفَعُ مِمَّا يَلِيقُ بِغَيْرِهِ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ تَعْظِيمِ النَّبِيِّ وَالتَّنْوِيهُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا، وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي الشُّعَبِ: مَعْنَى الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ تَعْظِيمُهُ، فَمَعْنَى قَوْلِنَا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ: عَظِّمْ مُحَمَّدًا.

وَالْمُرَادُ تَعْظِيمُهُ فِي الدُّنْيَا بِإِعْلَاءِ ذِكْرِهِ وَإِظْهَارِ دِينِهِ وَإِبْقَاءِ شَرِيعَتِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِإِجْزَالِ مَثُوبَتِهِ وَتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ وَإِبْدَاءِ فَضِيلَتِهِ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ ادْعُوا رَبَّكُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، انْتَهَى، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ عَطْفُ آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُدْعَى لَهُمْ بِالتَّعْظِيمِ إِذْ تَعْظِيمُ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ، وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَظْهَرُ؛ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى مَلَائِكَتِهِ وَإِلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُورِينَ بِذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّرَحُّمِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِنَا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا، أَوْ تَرَحَّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ، لَجَازَ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْبَرَكَةِ، وَكَذَا الرَّحْمَةُ لَسَقَطَ الْوُجُوبُ فِي التَّشَهُّدِ عِنْدَ مَنْ يُوجِبُهُ بِقَوْلِ الْمُصَلِّي فِي التَّشَهُّدِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَيُمْكِنُ الِانْفِصَالُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بِطَرِيقِ التَّعَبُّدِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهِ وَلَوْ سَبَقَ الْإِتْيَانُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ) كَذَا وَقَعَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي قَوْلِهِ: صَلِّ وَفِي قَوْلِهِ: وَبَارِكْ وَلَكِنْ وَقَعَ فِي الثَّانِي: وَبَارِكْ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ آدَمَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ: عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَقُلْ: عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخَذَ الْبَيْضَاوِيُّ مِنْ هَذَا أَنَّ ذِكْرَ الْآلِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ مُقْحَمٌ، كَقَوْلِهِ: عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى. قُلْتُ: وَالْحَقُّ أَنَّ ذِكْرَ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَذِكْرَ آلِ مُحَمَّدٍ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ ثَابِتٌ فِي أَصْلِ الْخَبَرِ، وَإِنَّمَا حَفِظَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ، وَسَأُبَيِّنُ مَنْ سَاقَهُ تَامًّا بَعْدَ قَلِيلٍ، وَشَرَحَ الطِّيبِيُّ عَلَى مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ هُنَا فَقَالَ: هَذَا اللَّفْظُ يُسَاعِدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ: عَلِمْنَا كَيْفَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيْ: فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا